خلال هذا الأسبوع يُتوقع أن ينتهى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من قانون تقسيم الدوائر، ويُتوقع أن يُصدره رئيس الجمهورية قُبيل نهاية الشهر الحالى، وربما بعد عودته مباشرة من زيارة الصين التى سيبدأها يوم 23 ديسمبر الحالى وتستمر لمدة يومين.
وبعد صدور القانون ستكون الكرة فى ملعب اللجنة العليا للانتخابات باعتبارها المعنية بتحديد المواعيد والجداول الزمنية لإجراء الانتخابات البرلمانية التى نصت عليها خارطة الطريق باعتبارها آخر الاستحقاقات بعد الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية.
وبعيداً عن بعض الملاحظات المحدودة حول خريطة الدوائر، فإن هذا القانون لاقى استقبالاً إيجابياً من غالبية الأحزاب والقوى السياسية والفئات الجماهيرية.
وفى حال إقدام اللجنة العليا للانتخابات على تحديد الجدول الزمنى للانتخابات والذى سيبدأ بفتح باب الترشح ويُعتقد أن ذلك قد يتم فى النصف الأول من شهر يناير الحالى، وقد يستمر الباب مفتوحاً للترشح لفترة قد تصل إلى ثلاثة أسابيع، فمعنى ذلك أن الجولة الأولى للانتخابات قد تبدأ فى شهر مارس المقبل وتحديداً قبيل عقد المؤتمر الاقتصادى.
وترى مصادر داخل اللجنة العليا أن الانتخابات لا بد أن تُجرى على مرحلتين، المرحلة الأولى وفيها يتم إجراء الانتخابات فى محافظات القاهرة ووسط الدلتا والتى تشكل قائمة واحدة، ومعها أيضاً الشرقية ومحافظات القناة وسيناء ودمياط باعتبارها تشكل قائمة واحدة أيضاً.
أما الجولة الثانية فتُجرى فيها الانتخابات فى محافظات الصعيد من الجيزة حتى أسوان، باعتبارها تشكل قائمة واحدة، وأيضاً فى محافظات الإسكندرية والبحيرة ومطروح باعتبارها تشكل قائمة واحدة أيضاً.
لقد ظن البعض من المشككين أن الرئيس السيسى أميل إلى تجميد الوضع، خاصة أن البرلمان بما يملكه من سلطات تفوق سلطات رئيس الجمهورية سيمثل صداعاً للرئيس وللحكومة فى وقت تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الموقف لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية والتى تستهدف أمن الوطن واستقراره.
وليس صدفة أن الرئيس طالب الحكومة أكثر من مرة بالإسراع فى إنهاء الإجراءات المتعلقة بقانون تقسيم الدوائر، حتى تبدأ اللجنة العليا للانتخابات مهمتها، للإسراع فى تحديد الجدول الزمنى للانتخابات.
إن الخطير فى الأمر أن الانتخابات المقبلة سوف تجرى دون تخطيط مسبق، فالرئيس السيسى يرفض أن يكون له ظهير سياسى أو حزب مقرب إليه، بل هو يتعامل مع الجميع على قدم المساواة، ويرفض أية محاولات للتدخل.
وعندما تردد اسم الدكتور كمال الجنزورى بكل تاريخه الوطنى وأنه يسعى إلى جمع الصفوف على قائمة وطنية موحدة فى مواجهة الإخوان وأنصارهم، خرج المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية لينفى أن يكون الرئيس قد كلف أحداً بمهمة إعداد القوائم.
صحيح أن ذلك هو ما أكده الدكتور الجنزورى أكثر من مرة، وقال إن تحركه يأتى فى سياق مهمته التوافقية التى بدأها مع الأحزاب منذ ما قبل الدستور الأخير، وأنه عقد معها نحو 12 اجتماعاً بهدف الحشد للاستفتاء، إلا أن البعض لا يزال مصمماً على التشكيك فى النوايا والأهداف.
ويخطئ من يظن أن تيار الإخوان الدينى بكافة اتجاهاته قد استسلم للأمر الواقع، وانسحب من الحياة السياسية، ذلك أن حقائق الوضع تقول عكس ذلك، وإن هناك محاولات حثيثة تجرى لدفع عناصر غير معروفة بانتمائها للإخوان لتشارك فى الانتخابات المقبلة سواء بشكل فردى أو ضمن قوائم أحزاب وقوى أخرى.
وليس الإخوان أو التيار الدينى وحده هو الذى يسعى إلى كسب المعركة لصالحه ولصالح أهدافه، وإنما هناك أصحاب المال السياسى الذين ينتمون إلى القوى المدنية، لديهم خطتهم فى ذلك، فهناك عمليات شراء واسعة تتم الآن فى الشارع الانتخابى لعدد من العناصر المتوقع فوزها، سواء كانت منتمية إلى الحزب الوطنى، أو كانت مستقلة وبعيدة عن الأحزاب.
لقد وصلت عمليات الشراء إلى مليون جنيه على «الرأس» الواحد فى البداية ومليون آخر للدعاية، والمليون الثالث يُدفع للمرشح فى حالة الفوز.
وقد رصدت الأجهزة الرقابية العديد من هذه الحالات، الأمر الذى دفع رئيس أحد الأحزاب إلى القول «إن هناك عملية اصطياد وقنص لعناصرنا فى المحافظات لحساب أصحاب الأموال الذين لديهم أجندة إما سياسية مرتبطة بطموحهم السياسى وإما لحساب قوى خارجية لا ترغب فى إنهاء التوتر وعودة الاستقرار إلى مصر».
إن واحداً من هؤلاء أصحاب المليارات، الذى أطلق أمواله فى العديد من المحافظات قال فى جلسة علنية: «ماذا يريد الجيش؟ لقد تولوا رئاسة الجمهورية ونحن يجب أن نسيطر على مجلس الشعب حتى نستطيع أن نشكل الحكومة»!!
وعندما تحدّث بصيغة نحن، كان يتحدث بمنطق العائلة وليس بمنطق الحزبية أو الحياة السياسية، ونسى هذا الشخص الذى يظن أن أمواله قادرة على شراء مجلس النواب أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يأت على رأس انقلاب عسكرى وإنما جاء بانتخابات حرة ومباشرة.
وهناك من يسعى إلى عودة الوجه القبيح للماضى، يدفع الأموال، ويلتقى النواب السابقين، ويحمل لهم شعاراً واحداً ووحيداً «أنا لا أريد شيئاً، فقط نريد دعم الرئيس السيسى»، مع أنه يعرف تماماً أن مجرد ظهوره هو أكبر إساءة للرئيس السيسى الذى حذر من استغلال اسمه لتبييض صفحة البعض، أو تحقيق أهداف لا علاقة لها بالوطن أو بمصالحه.
لقد حذر الكثير من خبراء الانتخابات من خطورة المال السياسى والمتاجرة بالدين، إلا أن الغريب أن الحكومة لا تزال تقف صامتة أمام هذه التجاوزات والاختراقات التى أصبحت ملء السمع والبصر، تُحكى على المقاهى وفى المنتديات.
إن الدولة المصرية أصبحت هدفاً، والسعى لاختراقها أصبح هو البوابة التى من شأنها تعطيل أداء الرئيس وشل حركته، فالبرلمان المقبل والسلطات التى حصل عليها، وهى سلطات مبالغ فيها وتجاوزت كل الحدود، يمكن أن تعرقل كافة خطط الدولة للنهوض وإعادة الأمن والاستقرار.
إن مجلس النواب المقبل هو صاحب القرار الفصل فى تشكيل الحكومة أو سحب الثقة منها، أو تعطيل اختيارات الرئيس، وهو أيضاً يستطيع سحب الثقة من رئيس الجمهورية، ويستطيع أيضاً إذا ما امتلك الآخرون «الثلث المعطل» ألا يتم الموافقة على القوانين التى صدرت قبيل تشكيل البرلمان ومنها قانون الانتخابات الرئاسية والذى لو حدث سيكون مجلس النواب مطالباً بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
إننا أمام «مجلس نواب» هو الأخطر فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، وإذا لم يتوحد كل الشرفاء لانتخاب برلمان يدافع عن ثوابت ومؤسسات الدولة الوطنية ويدعم المشروع الوطنى للرئيس السيسى، فاعلم أن البلاد ستدخل إلى مرحلة خطيرة من الفوضى تفتح الأبواب أمام كل الخيارات فى البلاد.. وساعتها لن ينفع الندم.