سيادة الرئيس.. قل لى ماذا أفعل مع صديقى وزميلى محمود الكردوسى؟!
«الكردوسى» صديقى و«عِشرة عمر».. تقريباً من 25 سنة.. كافحنا فى بداية الطريق «دراع بدراع».. هو أكبر منى.. لذا تعلمت منه أشياء فى المهنة.. وافترقنا بضع سنين.. ثم جمعتنا الصحافة مرة أخرى.. كنا نحلم زمان بـ«جرايد» مختلفة عن «نشرات الحكومة».. فافترقنا بعد أن ضاق بنا السبيل.. والتقينا فى حلم «المصرى اليوم»، ثم «الوطن».. ومن جديد فرّقتنا السياسة، رغم التصاقنا الآن فى مكتبين متجاورين.. هو يرى أن ثورة يناير «مؤامرة».. وأنا أراها «فاتحة خير» للتغيير.. «فاتحة خير» بـ«الناس البسطاء» الذين ملأوا «التحرير»، يأساً من نظام فاسد، وأملاً فى مستقبل أفضل.. «الناس البسطاء» وليس «الولاد النشطاء»..!
هذه علاقتى بـ«الكردوسى»!.. أما علاقتى بك -سيادة الرئيس- فأنت تعرفها جيداً.. أراك وطنياً مخلصاً، تحلم مثلنا بمستقبل أفضل لوطن أرهقته المصائب، وأعيته خطايا أبنائه.. ليس هذا فقط، وإنما آثرت على نفسى منذ البداية أن أكون فرداً فى «ملحمة 30 يونيو».. ربما تكون سبقتنى بخطوات فى الميدان.. غير أننى كنت من السباقين فى كشف «خيانة الإخوان» منذ سنوات.. وهكذا بات مصيرنا جميعاً واحداً.. إن أنقذنا مصر، أنقذت هى رقابنا.. وإن خذلناها، طارت رؤوسنا عن استحقاق..!
قل لى ماذا أفعل الآن.. وأنا الذى كنت، وما زلت، صديقاً لـ«الكردوسى» وشريكاً لـ«سيادتك»؟!.. قل لى كيف أنجو وأنا المؤمن بثورة يناير والشريك فى ثورة 30 يونيو؟!.. ثنائيتان تقضَّان مضجعى بعد أن أعلنت -سيادتك- مشروع قانون لتجريم الإساءة للثورتين.. بصراحة لم أفهمك.. ولم أفهم أى كلمة من هذه العبارة..!
اسمح لى بأن أختلف معك 180 درجة.. ليس لأن «الكردوسى» يكتب ما فى الخمر عن ثورة يناير.. فبات واجباً علىّ أن أمنع نشر مقالاته احتراماً لسيادة القانون.. وإنما لأن هذا القانون لم يولد من رحم قناعاتك، ولا حتى من «أنبوبة صناعية» لحماية مصر.. فليس منطقياً أن تصدر القوانين استجابة لحالة أربكت الدولة عدة أيام.. وليس مفيداً أن نستجيب لحفنة من الأصوات على حساب 90 مليون مصرى، من حقهم أن يكتبوا تاريخهم بموضوعية وأمانة، وأن يعبروا عن آرائهم بحرية وشرف..!
شخصياً.. اعتدت أن أحترم القانون.. لأنه قلب الدولة النابض وشريانها المتدفق.. غير أننى جلست مع نفسى عدة ساعات بعد الإعلان عن مشروع هذا القانون الغريب.. فكرت.. وفكرت.. وفكرت.. وقررت ألا أمنع نشر مقالات «الكردوسى» عن «ثورة يناير».. سامحنى -سيادة الرئيس- فقد فاضلت بين حُبى لك وحبى لـ«الكردوسى»، فوجدت أن الأمر لا علاقة له بـ«الحب».. فنحيت قلبى جانباً، ولجأت إلى عقلى.. قال لى عقلى: حبك للرئيس لا يعنى أن تصفق له على كل قرار، و«تطبل» وراءه على أى كلمة!.. حبك لـ«الكردوسى» لا يمنحه الحق فى نشر كل ما يكتب، خصوصاً إذا انطوى على «تجريح» لأشخاص!.. غير أن حبك لـ«مصر» يرجح كفة «الكردوسى» بشرط عدم التجاوز.!
سيادة الرئيس.. هذا بلاغ منى ضدى: سوف أسمح باعتبارى رئيس التحرير المسئول أخلاقياً وقانونياً بنشر مقالات الانتقاد بل والهجوم ضد أى ثورة، حتى لو كانت «ثورة الشك» للسيدة العظيمة «أم كلثوم».. ليس على سبيل «الفتونة» ولا «الشجاعة الاستعراضية».. وإنما اتساقاً مع مبادئى وتمسكى بحرية الرأى والتعبير.. وأيضاً حباً لك ولـ«الكردوسى».. ولكن لـ«مصر» قبلكما.. وبعدكما..!