في الذكرى الثامنة لرحيله.. الإسكندرية تحتفي بجودت حيدر "شكسبير العرب"
تحتفي مكتبة الإسكندرية، ومركز دراسات الإسكندرية وحضارات البحر المتوسط، بالتعاون مع جمعية "أصدقاء جودت حيدر"، بالذكرى الثامنة لرحيله في 4 ديسمبر الجاري.
يشارك في الاحتفال، الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازي، والشاعر حسن طلب أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان، والدكتورة سحر حمودة مديرة مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط، ومحافظ البقاع السابق دياب يونس، وسفير لبنان في مصر الدكتور خالد زيادة، إضافة إلى فيلم وثائقي عن حياة الشاعر يقدمه الدكتور جوزيف الشمالي.
يُعد الراحل الكبير جودت حيدر، شاعر الفصول الأربعة، لتنوع أدبه بين الوجداني والوطني والروحاني والاجتماعي، إضافة إلى أنه كتب باللغة الإنجليزية كأهم الشعراء الإنجليز، فهو الشاعر المثقف والتربوي المتمرس، وتجلت قيمه الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية في شعره، حيث كتب قصيدة باللغة الإنجليزية بطريقة مبدعة، الأمر الذي جعل صحيفة "نيويورك تايمز" تصفه بـ"المميز".
وحيدر من مواليد بعلبك 1905، مدينة الشمس والحرف والفنون، بدأت رحلة عذابه منذ طفولته عندما قام الأتراك بإبعاد والده وإخوته إلى الأناضول، وبعد انتهاء دراسته الابتدائية الثانوية في لبنان، تحقّق حلمه بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث درس مادة التربية والتعليم لأربع سنوات في جامعة نورث تكساس، وأمضى بعدها قسمًا من حياته متنقلًا في عدد من بلاد الاغتراب، عاد على إثرها ليمضي أفضل أيام حياته بين لبنان وفلسطين والعراق، قبل الاستقرار في مسقط رأسه في بعلبك، حيث انكب على الزراعة والكتابة والتأليف، واضعًا العديد من دواوينه الشعرية باللغتين العربية والإنجليزية، وأطلق عليه النقّاد العديد من الألقاب منها "شكسبير العرب" و"أمير الشعراء".
درس جودت حيدر في الجامعة الأمريكية في بيروت 1924، وفي ليون فرنسا 1925، وتكساس بالولايات المتحدة 1927، متخصصًا في التربية والتعليم.
أدار "الجامعة الوطنية" (عالية 1928) وكلية النجاح (نابلس 1930)، ثم التحق بشركة النفط العراقية (1932 ـ 1960) وبلغ منصب مستشار الصناعة للشرق الأوسط.
بعد تقاعده، انصرف إلى التأليف، فأصدر 3 مجموعات شعرية بالإنجليزية: "أصوات" (1980)، "أصداء" (1988)، "ظلال" (1998)، وتصدر قريبًا مجموعته الرابعة "زمن".
وفي العربية صدر عنه "جودت حيدر: مشوار العمر"، وفي عام 2006 نشر ديوانه الأخير الذي جاء تحت عنوان "مئة قصيدة وقصيدة مختارة"، على عدد سنين عمره.
ويحمل وسام الاستحقاق اللبناني المذهب (1951)، ووسام ألكسندر الثالث بطريرك سوريا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس (1954)، ووسام كرياكوس السادس بابا الأقباط (1955)، ووسام الصليب برتبة ضابط أكبر من الدولة الفرنسية (1957)، ووسام البابا يوحنا الثالث والعشرين (1959)، ووسام الكرسي الأورشليمي (1959)، ووسام الكرسي الأسقفي في القدس (1959)، ويوم تكريمه منحه الرئيس السابق وسام الاستحقاق برتبة ضابط.
سافر جودت حيدر على أجنحة الشِّعْر، وعلى رَندحات موسيقى، وأنغام رباب بعلبكيّةَ لبنانيّةَ، واهتم بالقضايا العربية كالقضية الفلسطينية التي كانت تؤرقه دومًا، فعبّر في بعض قصائده عن ألَمِه حيال ما كان يجري على الأرض الفلسطينية من انتهاكات لحقوق الإنسان.
كما آلمته الحرب اللبنانية، فعبّر عن أسفه وحزنه العميقين وكتب قصيدة للمقاومة اللبنانية، كما كتب في موضوعي الموت والاغتراب، فالموت كان هاجسه، وكانت الوجدانيات تحتل المساحة الأكبر والأهم في شعره.
وصفه البعض بأنه الاسم العصي على الآلام والمحن، والطود الشامخ الحي النابض بعراقة لبنان ورسوخه، المنفطر على التنوع الديني وتعدده السياسي والثقافي، الذي قهر الزمن بقدر ماقهره، الطفل الذي عاند المستعمر بإرادته وصلابته على الرغم من إبعاد أهله عنه، وموت والدته وهو مازال طفلاً في الثامنة من عمره.
ومع كونه عربيًا متمسكًا بلغته العربية، إلا أنه تميز في أن ينقل صورة وطنه ووجعه وألمه من خلال كتابته تجربته الشعرية باللغة الإنجليزية.
لقب حيدر بـ"شكسبير العرب" لتميز شعره واعتباره من الشعر العالمي، حيث يتقاطع إرثه الثقافي اللبناني مع الإرث الثقافي الأمريكي، في شعر غير عادي، فقد كان شاعرًا أصيلًا في دنيا الشعر الإنجليزي ومفكّرًا كبيرًا، ونموذجًا فذًا من نماذج العبقرية اللبنانية.
ابن مدينة الشمس رجل بمزايا رجال متعددين، جمعت فيه مزاياهم، فهو من الرواد النهضويين، والرواد المجددين، في الحداثة والشعر والأدب والفنون والثقافة، والعلم والعمل الأكاديمي، فرسخت إبداعاته بما خلفه من إرث أدبي، وترك لنا ديوانه الأول الذي تشعر عندما تقرأه، وكأنه يروي لك قصة حياته "أصوات"، ومن ثم "أصداء" عنوان ديوانه الثاني، و"الظلال" عنوان ديوانه الثالث، ما يشد المرء عند قراءة العناوين الثلاثة لتمحصها والبحث عن مكنوناتها واكتشاف أسرارها.
ومن ثم وداعه أرض الوطن بديوانه الأخير الذي جاء تحت عنوان "مئة قصيدة وقصيدة مختارة"، ودعنا بقصيدة لا تشبهها قصائد، قصيدة وضع فيها فلسفة الحياة والكون كلها، قائلاً:
هنا تنشّق يا صاحبي رياح الشّباب، وأنس الكهولة والعذاب، وأذكر صهيل الخيل وهمس العذارى وحنين الأحباب، وعند الوداع قف بشجاعة قبل الغروب، واستغفر الله عند الغياب".