الناس العاشقة للفن والتصميم، وأنا أكيد واحدة منهم، قد يشعرون أحياناً بالخجل لهذا الاهتمام، خاصة فى ظل «أحوال» هذه الأيام. فهناك الكثير من القضايا الضاغطة والخطيرة التى تستحوذ على العقل والوجدان، ولذا يبقى الحديث عن لوحة فنية أو تصميم لمقعد جميل شيئاً ساذجاً أو ربما حتى «عبيطاً»!!! وهو الأمر الذى يطرح السؤال حول أهمية «قضية الجمال» ووزنه فى حياتنا حتى فى ظل هذه الأوقات الصعبة التى نمر بها..
نطرح السؤال لأننا للأسف أصبحنا نعيش فى عالم يتميز بالقبح.. معظم أوقاتنا.. وأيامنا نمضيها وسط بيئة عفنة قبيحة المنظر والرائحة تتوسطها مبانٍ معمارية تفتقر للذوق.. والمعنى والانتماء لطبيعة البيئة والتراث، بالإضافة إلى أيديولوجيات تساعد على نمو فكر يدعو بجهل لإطلاق حرية الخيال تحت مسمى الإبداع!!! الأمر الذى يتركنا نصطدم بمبانٍ ومدن جديدة تحمل تصميمات ذاتية الطابع.. مؤلمة ومستفزة الشكل!!! إن التصميم المتوسط العادى للأبنية المدرسية أو المكتبية أو المستشفيات والمصانع والمصالح الأخرى يقدم لنا منظوراً سلبياً لمعنى حياتنا وما نستحق أن نحصل عليه!!!! فى ظل قوانين لا يمثل القبح فيها أى مشكلة وفى ظل فكر يدعو ويشجع على التنمية العقارية على حساب أى شىء ليرتفع مفهوم «المهم هو من يملك هذه القطعة من الأرض وليس من يعانى من رؤية هذا البناء القبيح فوقها»!!! وبالتالى فان الإصغاء لشكاوى تتأذى من منظر برج أو بناية تجرح العين يصبح شيئاً مضحكاً!! لا يتوافق مع مهارة السياسة العصرية التى ترى عكس ذلك والتى تتجاهل ولا تحترم حق المواطن فى العيش وسط هارمونية لا تؤذى عينيه.. وحقه أن يحاط بأشياء جميلة.. فالجمال ليس رفاهية ولكنه دعامة قوية لأمزجتنا وصحتنا وعافيتنا.
إذن ما هو معنى الجمال؟.. ماذا نعنى عندما نرى تصميماً لقطعة أثاث جميل أو عندما نقول إن هذا المنزل جميل؟ الإجابة هى أن هذا الأسلوب الذى يجذبنا ويقترحه علينا التصميم يعبر عن طريقة حياة تروق لنا وعاطفة تكمن داخلنا نحو هذا الأسلوب بالتحديد..
الأشياء الجميلة هى «الأمل».. الأمل المستمد من أن فى الحياة أشياء يمكن أن تكون صافية.. طيبة.. متفائلة.. ذات مغزى ومعنى، وهذا ما تعبر عنه ببساطة أريكة رقيقة الأرجل، أو عمل فنى تخرج منه طاقة إيجابية أو إضاءة ترمى بومض دافئ على المكان.. الأشياء الجميلة تعكس لنا رؤية الحياة وما ينبغى أن تكون عليه وبالتالى تدعم اجتهاداتنا ومحاولتنا أن نكون نسخاً أفضل من أنفسنا.. الحياة وسط الجمال تعيد التوازن المفقود فى حياتنا، فكلنا لدينا نصيب من عدم الاتزان، والفنون الجميلة قادرة على حقننا بجرعات مكثفة مركزة تعيد ترتيباتنا المفقودة.. هى مرآة ودليل عما نفتقده داخل أنفسنا.. خذ مثالاً على هوس اقتناء البعض للأثاث والتحف المذهبة الضخمة، هذا الذوق قد لا يجد صدى أو اهتماماً مع آخرين يتحلون بثراء النفس الداخلى ولكنه يتسق مع هؤلاء الذين يشعرون بعدم الأمان والخوف من الفقر أو المصائب..
ومع ذلك.. وبالرغم من ذلك لا تستطيع الفنون الجميلة أن تقوم وحدها بهذا الدور وتمنحنا هذه السعادة.. فأكثر الأماكن شاعرية وأكثر الأجواء شمساً وصفاءً تصبح غير قادرة على رسم ابتسامة على الوجوه فى ظل حياة مفعمة بالخوف والقلق والرعب وبالتالى تصبح قضية الجمال من الأمور الصعبة وسط مناخ تحتل فيه الأولويات السياسية مساحة أكبر وتصبح هذه القضية الجميلة ضئيلة أمام الاحتياج لمياه نظيفة أو مأوى أو إطعام فقير..
ولكننا فى النهاية لا نملك إلا أن نسعى لنيل هذا التوازن الحيوى فى الحياة وألا نتعامل مع هذه القضية بشكل سطحى أو ننظر لها على أنها رفاهية.. علينا أن نمحى من عقولنا أن الأشياء الجميلة ترتبط بالتكلفة الباهظة!!! وأخيراً نحترم الجمال لدوره ورسالته ونعلم أنه أكثر الأشياء وفراً إذا فقط نظرنا حولنا.. مع تذكرة أنه أرقى وأقوى أنواع العلاج النفسى المؤثر!!!