تطلق القوى المعادية للوطن الشائعات كسلاح من أسلحة الحرب النفسية بهدف تحطيم معنويات الشعب، والقضاء على إرادة الجيش القتالية، وإشاعة جو من عدم الثقة، وإحداث البلبلة.
ويدخل فى باب الإرجاف إشاعة الأساطير عن القوة الزائفة لبعض الميليشيات الإرهابية والحديث بيقين عن النصر القادم! فنسمع منذ فترة عن القوة الخارقة لهم، ونشاهد بعض الفيديوهات الممنتجة زيفاً، التى تريد ليس فقط كسر إرادة الجنود وأسرهم، بل نشر حالة من الإحباط بين جموع الناس.
إن هذا هو الأسلوب الذى تستخدمه قوى التطرف اليوم، حتى يظن أتباعها أن النصر قادم يوم الأحد، وعندما يأتى يوم الأحد بالخزى لا بالنصر، يقولون إنه آتٍ يوم الثلاثاء، ويستمر الوهم، وتستمر الأضاليل، ولا يصدقها فقط أذنابهم، بل يصدقها أيضاً الضعفاء والذين فى قلوبهم مرض؛ لذلك تجد حالة من التخاذل الغريبة عند البعض من الذين يدخلون فى حالة من الانهزامية والتردد فى المواجهة وينضمون برعونتهم إلى قوائم المرجفين فى المدينة، وهذا غير مستغرب من أولئك الذين سارعوا بتغيير الجلد أكثر من مرة فى أعوام قليلة! فهم المنافقون الذين يجهزون أنفسهم لكل العصور، وللأسف لا تزال أساليبهم فى التلون والإرجاف تنجح!
وأكبر هدف للشائعات الجارية فى بر مصر، التى تستخدم فيها الآلة الإعلامية الدولية، هو زعزعة أمن هذا البلد، وإحداث حالة من التفكك والتفكيك فيه، وإدخاله إلى فوضى عارمة. وحتى يمكن للتضليل أن يكتمل فيمكن التحدث عن «الفوضى الخلاقة»، وهو مصطلح غربى ضلل كثيراً من الحمقى؛ فالفوضى هى الفوضى، ولا يمكن أن تصبح فى يوم من أيام خلاقة؛ فالفوضى تؤذن بانهيار الدول وضياع الشعوب.
ومن أكبر العوامل التى تساعد على نشر الفوضى: تلك المحاولات اليائسة من الكذابين البلهاء لإضعاف تماسك الجيش الوطنى، وهو الحصن الأخير لمصر، بإذاعة شائعات حمقاء عن حدوث انشقاق فى الجيش، أو تغيير قياداته، وهى شائعات لم يلتفت إليها أحد لسذاجتها المفرطة. لكن المحاولات اليائسة لا تتوقف.
إن الحرب بالشائعات الضالة تنظَّم ضد العقول بجوار الحرب بالتفجيرات الغادرة ضد الأجسام. وهذه الحرب بالشائعات يحاول أن يقتدى صانعوها بأسلافهم المعادين للإنسانية، أعنى التتار، مع الفارق بين قوة الأحفاد وقوة الأسلاف، والفارق فى الدين والجنسية، والتتار القدماء من الخارج بينما التتار الجدد توليفة من الداخل والخارج، لكن العداء للإنسانية واحد، وتكتيك أسلوب الحرب بالشائعات واحد، وأيضاً تكتيك التضليل واحد. لقد قام سلفهم جنكيز خان باستخدام شائعات التضليل التى كان يبث عبرها الزعم بأن جيشه يضم أعداداً هائلة من المقاتلين الشجعان الذين لا يهابون الموت، بهدف نشر الخوف عند خصومه، ومن ثم تمكَّن من اجتياح مساحة كبيرة من العالم، لكن الدراسات الحديثة توضح أن أراضى أواسط آسيا لا يمكن أن تعيل أعداداً كبيرة من السكان الذين بإمكانهم غلبة سكان المناطق المكتظة المجاورة، ومن ثَمَّ فإن الإمبراطورية المغولية لم تقُم إلا على تكتيك عسكرى واستخدام قوات سريعة الحركة وتوظيف العملاء والجواسيس والحرب النفسية والشائعات، فقد كان المغول يمهدون لحروبهم العسكرية بإطلاق شائعات محبوكة وقادرة على الإقناع عن طريق العملاء لبث معلومات عن أعدادهم الخرافية وطباعهم الشرسة وقدراتهم الفائقة، كما أنهم لم يهتموا كثيراً بما يقوله أعداؤهم عنهم، بل كان ما يهمهم هو أن يخافهم العدو، وقد نجحوا فى ذلك؛ حيث اعتقد المسلمون والأوربيون بذلك، ما عدا المصريين!
ولم يستخدم جنكيز خان الطابور الخامس فقط، بل استخدم كذلك جواسيس العدو المضادة فى تحقيق غرضه من إخافة العدو، فعندما كان يقبض على أحد جواسيس العدو، كان يشيع أمامه الشائعات بأسلوب مقنع وذكى عن القوى الخيالية المغولية، ثم يكرمه ويخلى سبيله على ألا يعود، وعندما كان يرجع إلى بلاده ينقل ما سمعه واقتنع به. من ذلك ما رواه أحد المؤرخين الأوروبيين من أن جنكيز خان قبل احتلال خوارزم قبض على جواسيس سلطان خوارزم ثم بث فى أذهانهم ما أراد، ثم تركهم يرجعون، وعندما رجعوا نقلوا للسلطان الصورة المزيفة التى اقتنعوا بها، والتى لا تخرج فى حقيقتها عن كونها شائعة محبوكة؛ وهذا قول أحد هؤلاء الجواسيس كما رواه المؤرخ الأوروبى بول لاينبرجر فى كتابه «الحرب النفسية» نقلاً عن المصادر التاريخية:
«سيدى.. إنهم جميعاً أشداء، ويشبهون المصارعين، ولا يستنشقون إلا الحرب والدم، وتواقون للقتال؛ حتى إنه يصعب على قادتهم الحد من ذلك، ومع أنهم أشبه بالنار المستعرة إلا أنهم يتقيدون بالطاعة المطلقة لقيادتهم، ومخلصون كلياً لأميرهم، إنهم يكتفون باليسير من الطعام، ولا يهتمون بنوع اللحم الذى يأكلونه، فهم يأكلون الخنازير والخيل والذئاب والدببة والكلاب عندما لا يجدون غيرها، فلا يميزون بين حلال وحرام، أما أعدادهم فلا تحصى كالجراد».
إنها أضاليل لا تفرق إلا فى بعض الرتوش عن أضاليل ميليشيات التطرف فى عصرنا، وكما نجح الجيش المصرى فى وقف زحف التتار القدماء، سوف ينجح فى إيقاف التتار الجدد بإذن الله تعالى.