أقسم بالله العظيم إننى لا أضمر شراً ولا أتمنى أى شر لأى إنسان على وجه الأرض، حتى لو كان عدواً شديد الانحطاط والشراسة، وكل ما أتمناه من الله سبحانه وتعالى -فى مواجهة عدوى- أن يحمينى من شره، وأن يحميه من شر نفسه، وأن يلهمه الصواب ويقود خطاه بعيداً عن الشر والتخريب. وأقسم بالله العظيم إننى لم أتقزز من أحد فى حياتى قدر تقززى من المتاجرين بالدين، ورغم ذلك لا أتمنى لأحد منهم غير أن يخلصه الله من هذه الحقارة الإنسانية، وأن يعيش حياته مثل بقية البشر، يصيب ويخطئ، ولكنه فى صوابه وخطئه لا يلجأ إلى امتطاء رسالة مقدسة للوصول إلى غاية دنيوية زائلة.
أكتب هذا الكلام رداً على عدد من الأصدقاء الذين عاتبونى على مقال كتبته فى هذه الزاوية قبل أسبوعين بعنوان «الرحمة بالإخوان.. خيانة عظمى»، وسألونى: كيف تحولت الرحمة إلى خيانة؟ وما هو مستقبل الحياة فى هذا البلد إذا انسدت أبواب الرحمة والتسامح فى وجوه الخاطئين؟ ثم.. أليس اليأس من الرحمة وفقدان الأمل فى التسامح هما المجال الخصب لتعميق الشر والخراب والكراهية فى أى مكان.. وهما المبرر النهائى لاستمرار الشرير فى شره حتى يلحق أضراراً فادحة بخصمه قبل أن يلقى حتفه؟
والحقيقة أن هذه الأسئلة تنطوى على منطق سليم -من الناحية الإنسانية والقانونية والدينية- لا يمكن رفضه، والتاريخ الإنسانى فى قمة تجلياته السياسية والحربية حافل بمواقف مدهشة فى إعلاء الرحمة فوق الحق، وفى إعلاء المصلحة العامة فوق أوحال الكراهية. وقد صاغ المحارب والقائد الفرنسى الكبير نابليون بونابرت هذه الخبرة فى مبدأ عسكرى شهير، حين نصح قواته بألا تحكم الحصار حول أى عدو، وألا تطوقه إطلاقاً من الجهات الأربع، وأن تترك له جهة للهروب، حتى لا تفقد القوات المعادية الأمل فى الخلاص وتستميت فى الحرب فتلحق بالغالبين خسائر ضارية تخلط «النصر» بطعم الفجيعة.
هذا إذن منطق سليم، وإغلاق أبواب الرحمة عادة أكثر ضرراً من ترك الباب مفتوحاً لمن يريد أن يراجع نفسه، إلا فى حالات محددة، تأتى فى مقدمتها حالة جماعة الإخوان فى مصر والعالم العربى كله، لأسباب عديدة، سأكتفى منها بسببين الآن:
السبب الأول أن هذه الجماعة طوال تاريخها ومنذ لحظة تأسيسها تؤمن إيماناً عميقاً بأن نقض العهود لا يعد إثماً ولا عملاً منافياً للشرف أو للدين إذا كان هذا «النقض» يخدم الجماعة، ويعرف كل من له أدنى صلة بأفراد هذه الجماعة، أو من لديه معرفة بسيطة بتاريخها، أنها دائماً تلجأ إلى التفاوض باعتباره فرصة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف وإعادة بناء التنظيم وإعداد العدة للانقضاض والغدر بالخصم، ولا يوجد فى أدبيات هذه الجماعة المكتوبة، أو فى تاريخها المعروف أى دليل على أنها أوفت بعهد أو تراجعت عن فعل فاحش لأنه يتناقض مع عهد أو اتفاق.
السبب الثانى، وهو الأهم، أن هذه الجماعة خلال الأسابيع الماضية كشفت بوضوح شديد عن كراهية عميقة للجيش المصرى، وعن رغبة متأصلة فى تفكيك وحدة هذا الجيش، وهى رغبة ليست وليدة الصراع السياسى الطارئ بعد أحداث 30 يونيو 2013 كما قد يتصور البعض، أو قد يتحجج الإخوان، ولكنها عقيدة راسخة، وهدف استراتيجى لدى هذا «التنظيم الماسونى» الخائن، وبإمكان أى مواطن أن يراجع ما قاله قادة الإخوان ومرشدهم عن الجيش المصرى حتى وهم فى السلطة، ليكتشف ببساطة أن «الجيش» كان هو «الجائزة الكبرى» على أجندة الإخوان، فقد كانوا يعرفون، وما زالوا يعرفون، أن هذا الجيش إذا انكسر أو تفكك أو انقسم -لا قدر الله- فلن تمنعهم قوة على الأرض من السيطرة المطلقة على مصر والوطن العربى كله.
ومؤخراً، جاءت دعوة «الإخوان» للشباب المصرى بالتخلف عن التجنيد فى القوات المسلحة المصرية، لتثبت بما لا يدع مجالاً لأى شك، أن تدمير الجيش هو الهدف الأسمى لهذه الجماعة، وهو الخطوة الحاسمة نحو تجريد مصر والأمة العربية من أى حماية.. وساعتها ستقع مصر بأرضها وشعبها فى قبضتهم المميتة.
هل يمكننا أن نجازف بفتح أبواب الرحمة فى وجه جماعة تفكر بهذه الطريقة وتسعى لتجريدنا من الجيش؟.. ومن ذا الذى بإمكانه أن يضمن «عهداً» للإخوان وهم أبرع من ينقض العهود ويخون الوعود؟.. المؤكد أن الرحمة التى نرجوها لن تُلقى بظلالها على هذا البلد إلا إذا تخلصنا تماماً من هذا السرطان الإخوانى الغادر.