قلتُ من قبل «أنا مكسوف» لأن الإعلام المصرى بات فوضوياً.. الدخلاء يملأون الشاشات.. والصراخ لغة الحوار.. والجهل يدير النقاش.. غير أننى اليوم أشعر بـ«الخزى» من شاشات تتسابق إلى جذب المشاهدين بـ«العُرى» والابتذال والإسفاف.. وكأن الحرب التى تخوضها مصر ضد «قوى الظلام» و«أعداء الخارج» تقتضى تغييب المواطن وتخديره بمشاهد وبرامج النساء العاريات، والأحضان والقبلات «الحرام»..!
تعلمنا فى نظريات الإعلام أن المواطن -أى مواطن- هو إناء تملأه وسائل الإعلام بما تبثه وما تكتبه.. ثم ينضح الإناء بما فيه.. فإذا شاهد الإنسان وقرأ مواد إعلامية تُعلى شأن المعرفة والوعى العام، بات طبيعياً أن ينهض المجتمع بأفكار وعقول أبنائه.. أما إذا سهر نفس الإنسان مع برامج «التسطيح» والإثارة، بات منطقياً أن تقوده شهواته وغرائزه البشرية نحو الجريمة وغياب العقل.. بل وغياب الضمير والواعز الأخلاقى فى تعامله مع قضايا مجتمعه..!
أقول هذا.. لأن مصر تقود حرب «وجود» ضد «الإرهاب»، تدعمه أطراف أجنبية.. بينما تقود «الفضائيات» حرب «فخود» لتحقيق نسب مشاهدة، تدعمها نساء ساقطات، ومشاهد تقترب من «الأفلام الإباحية»..!
سيقول أحدهم إن برامج المنوعات والمسابقات والترفيه موجودة فى العالم كله..! حسناً.. هى فعلاً موجودة.. ولكن بأى منطق؟! وبأى شكل؟! ولمن؟!.. مصر الآن غير الغرب.. بل هى طوال تاريخها ليست كالغرب.. مصر الآن يا سادة فى حالة حرب.. ليس فقط ضد «الإرهاب والتطرف»، وإنما أيضاً ضد الجهل والفقر والفساد.. الجهل يجعل المرء سهل الانقياد وراء غرائزه.. فتكثر جرائم الاغتصاب والخطف والتحرش.. الفقر يدفع صاحبه إلى أى شىء وكل شىء.. فحين يتساوى الموت مع الحياة.. فلا سقف للسلوك.. والفساد يحيل المواطن إلى كائن قابل لأى انحراف.. فهل مصر مثل أوروبا وأمريكا فى كل شىء، كى تصبح مثلهم فى «الإباحية وقلة الأدب»؟!
امسك الريموت، وقلِّب وجهك بين القنوات.. ستجد «زعيقاً وصريخاً» فى «برامج التوك شو» التى فقدت صلاحيتها.. ومع انتهاء الصلاحية وانصراف المشاهد عن «زعماء التوك شو» يتصاعد «الصراخ» على الهواء، ويتحول المذيع إلى «بهلوان» لجذب المشاهدين.. ثم انتظر قليلاً حتى تنتهى «نصبة التوك شو»، ستبدأ على الفور «خلطة» الحلول التى اكتشفها صُنّاع الفضائيات بديلاً عن «دوشة الزعماء»: حرب برامج المسابقات والرقص و«الشخلعة».. صبيان وبنات يرقصون مقابل حفنة دولارات.. والدفع أكثر لمن «تخلع ملابسها أكثر».. مغنية وليست مطربة نسيت أنها «جدة» تظهر للملايين بـ«مؤخرة عارية»، وكأن «أرداف عجوز شمطاء» تحمل الإغراء للرجال!.. أحضان وقبلات ساخنة على الهواء مباشرة بين شباب وشابات.. وكأن «اللحم» أمر طبيعى بينهم.. مسابقات للرقص و«المسخرة» للفوز بأكبر حصة من المشاهدين، ومعها أكبر «كعكة» من الإعلانات..!
هكذا.. يصنع إعلامنا «أجندة المواطن».. يقول لهم كل صباح: «استقيموا واعتصموا وتماسكوا فى مواجهة الإرهاب والخطر الذى يهدد وجود مصر.. مصر هى أمى وأمك.. مصر غالية علينا.. وتسلم الأيادى.. وبشرة خير.. ويا أغلى اسم فى الوجود».. ثم يقول لهم كل مساء «الليلة خمر ونساء.. استعدوا للأرداف والنهود والأفخاذ.. تماسكوا حتى تخرجوا للشارع.. مصر ليست فى مصر.. مصر فى استوديوهات بيروت.. تقبرنى.. تحضنى.. تبوسنى.. وتهبرنى»..!
يا قنوات الفرفشة والزغزغة و«المسخرة».. عيب.. مصر هى أمى.. وليست «الغانية» التى تتلوّى على الشاشة..!