حدود مصر البحرية .. من "قانون البحار" إلى "اتفاقية الترسيم" في 2004
حدود مصر البحرية .. من "قانون البحار" إلى "اتفاقية الترسيم" في 2004
قمة ثلاثية، جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، برئيس وزراء اليونان أنتونيس ساماراس، ورئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس.. كان موضوعها الرئيسي، هو "ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط"، خرجوا منها بإعلان القاهرة، لمواجهة التحديات الكبيرة لأمن منطقة شرق المتوسط، وتوطيد أواصر التعاون الثلاثي لتعزيز السلام والاستقرار والأمن والازدهار في جميع المجالات.
الرؤساء الثلاثة، اتفقوا على عددٍ من البنود، تخص ترسيم الحدود البحرية، أولها احترام القانون الدولي والأهداف والمبادئ التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة، وفيما يخص اكتشاف مصادر مهمة للطاقة التقليدية في شرق المتوسط، أقروا تعاونًا ينبغي أن ينبني على التزام دول المنطقة بالمبادئ المستقرة للقانون الدولي، وتأكيد الطبيعة العالمية لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، واستئناف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية، ودعوة تركيا إلى التوقف عن جميع أعمال المسح السيزمي الجارية في المناطق البحرية لقبرص، ولكن ما هي الحدود البحرية، وكيف تم ترسيمها في الماضي، وكيف سيتم في المستقبل، وماذا عن غاز شرق المتوسط، كلها تساؤلات، تبحث عن إجابة.
في 16 نوفمبر عام 1973، اعتمدت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي دشنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبدأت مناقشتها في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة بنيويورك، في ديسمبر عام 1973، واستكملت الاتفاقية في عام 1982، وبدأت دعوة الدول للتوقيع عليها، حتى دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 16 نوفمبر 1994 بعد أن صادقت عليها 60 دولة، كانت منها مصر التي وقعت وصدقت على الاتفاقية عام 1987، ومن الدول التي لم تصدق على الاتفاقية كانت: "إسرائيل، وتركيا، والولايات المتحدة الأمريكية".[FirstQuote]
الاتفاقية تنص على عدد من المفاهيم، التي تضمن إقامة نظام قانوني يضمن سيادة الدول على مياهها الأقليمية، وتشجع على استخدام البحار والمحيطات في الأغراض السلمية، والانتفاع بمواردها على نحو يتسم بالإنصاف والكفاءة، وصون مواردها الحية والحفاظ عليها، وحددت مصطلحات ومعايير واضحة لـ"المياه الإقليمية، والمنطقة الاقتصادية الحصرية، والجرف القاري"، كما يحدد القانون المبادئ العامة لاستغلال الموارد البحرية "الموارد الحية، والتربة والموارد الموجودة تحت سطح الأرض"، وأسست أيضًا الاتفاقية لمحكمة دولية لقانون البحار، مختصة في معرفة قانون النزاعات في البحر، ولكن ليست من مسؤوليتها تسوية مثل هذه النزاعات.
وظلت هذه الاتفاقية، تحفظ حقوق دول شرق البحر المتوسط حتى تاريخ 19 أبريل عام 2004، حيث عقدت مصر مع قبرص اتفاقية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ما ترتب عليه اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي.
وتنص الاتفاقية على: "تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين، على أساس خط المنتصف، الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الطرفين، وأن يظهر خط المنتصف الحدود على الخريطة البحرية الدولية الصادرة عن (الأدميرالية البريطانية) برقم 183 ( رأس التين إلى الإسكندرونة ) بمقياس رسم "1: 100000"، وأن يتم الاتفاق بين الطرفين – بناء على طلب أي منهما – على إجراء أي تحسينات إضافية لزيادة ودقة توقيع خط المنتصف عند توافر البيانات الأكثر دقة، وذلك استنادًا لذات المبادئ المتبعة".[SecondQuote]
كما تنص في مادتها الثانية: "في حالة وجود امتدادات للموارد الطبيعية، تمتد بين المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الأطراف وبين المنطقة الاقتصادية الخالصة للطرف الآخر، يتعاون الطرفان من أجل التوصل إلى اتفاق حول سبل استغلال تلك الموارد"، فيما تنص المادة الثالثة أنه: "إذا دخل أحد الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقتها الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى"، بينما نصت المادة الرابعة: "يتم تسوية أي نزاع ينشأ بشأن هذا الاتفاق عبر القنوات الدبلوماسية بروح التفاهم والتعاون، وفي حالة عدم تسوية النزاع عبر القنوات الدبلوماسية، يتم إحالة النزاع إلى التحكيم".
الاتفاقية ظلت سارية، حتى مارس 2010، وإعلان هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية عن وجود احتياطيات ضخمة للغاز في شرق المتوسط بالمنطقة الواقعة بين مصر وقبرص، بعدها وقعت إسرائيل مع قبرص اتفاقية لترسيم الحدود فى 17 ديسمبر 2010، دون الرجوع لمصر، رغم أن اتفاقية عام 2004، تلزم أي طرف بالرجع للطرف الآخر في أي اتفاق مع دولة أخرى، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، حتى أعلنت قبرص في يناير عام 2011، عن اكتشاف أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم، وتقدر يشكل مبدئي بنحو 27 تريليون قدم مكعب وقيمتها تصل لـ"120 مليار دولار"، وقرر تسميته حقل "أفروديت"، كما أعلنت إسرائيل عن اكتشاف حقيلن آخرين.
ويؤكد خبير الطاقة الدكتور إبراهيم زهران، في تصريح خاص لـ"الوطن"، إن قيمة الحقول الثلاثة تتراوح من 200 إلى 400 مليار دولار، ورغم أنها في المنطقة الواقعة بين مصر وقبرص، كما أن إسرائيل لم توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فهي تستفيد من وراء غاز شرق المتوسط دون وجه حق، وتحاول تركيا الآن، حسب ما يؤكد "زخران" الدخول في اللعبة، لنيل حق ليس لها؛ لأنها لم توقع هي الأخرى على اتفاقية الأمم المتحدة، حسب تأكيداته.
وأكد "زهران" أنه رفع دعوى قضائية عام 2012، كما أنها تقدم بعدة بلاغات للنائب العام المصري، آخرها كان الشهر الماضي، لإلغاء الاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص، وإعادة ترسيم حدود شرق المتوسط، للاستفادة من الغاز بتلك المنطقة، خاصة أن "قبرص" خالفت الاتفاقية الموقعة مع مصر، واتفقت مع طرف آخر دون إخطار مصر، مؤكدًا أنه لديه من المستندات ما يثبت حقوق مصر في غاز شرق المتوسط، مطالبًا بإعلان تفاصيل الاجتماع الذي عقد في الرئاسة بشأن ترسيم تلك الحدود، وأن تتخذ الدولة خطوات عملية لإعادة حقوقها المهدرة.
واكد الدكتور إبراهيم العناني، أستاذ القانون الدولي، أنه لا بد للفنيين والخبراء في المساحات البحرية دراسة عملية ترسيم الحدود البحرية الحالي في إطار الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص، وتحديد ما إذا كان لمصر حقوق في الثروات البحرية الموجودة في تلك المنطقة، ومطالبة مصر بتعديلها طبقا للنتائج المطروحة.
وأضاف العناني في تصريح خاص لـ"الوطن"، أن مصر لا بد وأن تطالب بإعادة النظر في الاتفاقية وتعديلها حيال التحقق من وجود حق لمصر في حقل الغاز العالمي الذي تم اكتشافه في 2012، وذلك بداعِ أن هناك ظروف جوهرية طرأت على منطقة الحدود البحرية بين مصر وقبرص، مشددًا على أن مصر إذا تقاعست في تلك الحالة عن المطالبة بحقها فلا تلومن إلا نفسها، حسب تعبيره.
وتعتبر إمكانية تعديل الاتفاقية أمر وارد، حسب العناني، الذي أكد أن بنود الاتفاقية تتيح التفاوض بين الدول الثلاثة وتغيير بعض البنود فيها، سواء بما يضمن التساوي في المساحات البحرية بين الطرفين، وتوزيع عادل للثروات البحرية المتواجدة في ذلك المحيط بين جميع الدول، وهذا ما تنص عليه اتفاقيات الأمم المتحدة والقانون الدولي.
أما الدكتور سعيد اللاوندي، أستاذ العلاقات الدولية، أكد أن القمة الثلاثة التي انعقدت،اليوم، بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره القبرصي ورئيس وزراء اليونان، تؤكد حرص الدولة على حصول مصر على جميع حقوقها في عملية ترسيم الحدود البحرية، بعكس النظام العميل، الذي عمل طيلة حكمه على ضياع حقوق المصريين.
وأضاف اللاوندي في تصريح لـ"الوطن"، أن هدف تركيا الوحيد من إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص هو إثارة الخلافات داخل المنطقة كلها، والكل يعلم الموقف التركي المرفوض ضد قبرص، مشيرًا إلى إلى أهمية إعادة ترسيم الحدود البحرية، والنظر في الاتفاقية التي وقعتها مصر مع قبرص، على أن تكون تلك التعديلات بالتفاوض بين جميع الأطراف، وبما يخدم شعوب الدول الثلاثة وليست بلد بعينها.