«الوطن» تكشف «ليالى الكيف» فى قلب المنطقة الأثرية
فى قلب الجبل مكان خفى عن الأعين بمنطقة الأهرامات الثلاثة الأثرية، يقصده مئات من الشباب والشابات فى كل ليلة كما يردد أهالى المنطقة، «عشش وخيام» قابعة فى الرمال مضاءة فى جنح الليل تستقبل القاصى والدانى من القاهرة، وربما من خارجها، كما تستقبل سائحين عرباً يبحثون عن «المزاج والكيف».. «الوطن» تكشف الممارسات غير المشروعة لمافيا أصحاب «الكيف الحرام»، استغلوا غياب الأمن وهربوا فى الجبل، ليؤسسوا «مملكتهم الخاصة»، ليفعلوا ما يريدونه بحرية دون رقابة، فالطريق ليس بعيداً على من اعتاد أن يسلكه، والمكان مألوف لمن زاره مرة واحدة.
الدخول إلى قلب الجبل سهل جداً عن طريق المنطقة المواجهة لمنطقة كفر الجبل، فقط استأجر حصاناً من منطقة مقابر أبوعويان من أصحاب الخيل بـ100 جنيه أو سيارة دفع رباعى حتى لا تنغرس عجلاتها فى رمال الجبل، وربما قد تستطيع أن تصل بسيارة عادية، بشرط أن تعرف مسار الطريق وتبعد عن الرمال الناعمة، وقد تختصر الأمر حينما تجرى اتصالاً تليفونياً بمن تعرفه من أصحاب «العشش» وتنتظره عند المقابر فى ممر الدخول، وسيأتى إليك ليُقلك إلى مبتغاك، فالمسافة ليست طويلة، فقط أربعة كيلومترات داخل الجبل.
فى وضح النهار، الساعة كانت تشير إلى الخامسة عصراً قبل بداية حفلات الليل فى «عشش وخيام» منطقة الأهرامات، التحرك فى اتجاه العشش بواسطة ثلاثة خيول، ومعنا دليل من أحد أهالى المنطقة الذين يعلمون الطريق جيداً، بداية الرحلة من ممر ضيق بجوار مقابر أبوعويان المواجهة لمنطقة كفر الجبل، تجار مخدرات يتسكعون على نواصى المنطقة يبيعون مخدرات لمن يريد من الصاعدين إلى الجبل، كما يقول الدليل: تشتهر هذه المنطقة بعدد كبير من «إسطبلات» الخيول والجمال يؤجرونها لمن يريد الصعود «الطلعة» على حسب الاتفاق، حيث تبدأ من 60 جنيهاً حتى 100 جنيه، وقد تصل إلى أكثر من 300 جنيه، لو كان المستأجر من السائحين العرب، عبور الممر الضيق يفتح مد البصر على صحراء جرداء بها مرتفعات جبلية ورمال ناعمة تغوص بها أرجل الدواب التى تصعد، يُحيطها من اليمين سور سلكى لمنطقة الهرم، وعلى اليسار منطقة «بنى يوسف» العسكرية للقوات المسلحة، وبينهما ممر جبلى واسع.
بين المرتفعات والمنخفضات الرملية يسلك الزائرون ممراتهم، حتى يصلوا إلى «العشش والخيام»، فى الطريق أشخاص يقفون «ناضورجية» يتعسسون ويتفحصون وجوه المارة، ويساعدون من تنغرس سيارته فى الرمال بمقابل مادى، فلم تبدأ حتى الآن أفواج الشباب فى الصعود فقط أعداد قليلة، وأغلب «العشش» خاوية من الزائرين.
أكثر من عشر «عشش» ملحق بها خيام تقام فى المنطقة دون تراخيص، استغل أصحابها الغياب الأمنى وأنشأوها على شكل «كافيهات»، تثبّت هذه «العشش» بأخشاب وأقمشة منها «الخمس نجوم» المفروشة من الداخل بسجاد، وبها مقاعد وجلسات مختلفة بزوايا مختلفة، كما يوجد بها ساحة كبيرة تتوسّط العشة تُستخدم جراجاً للسيارات، كما يوجد عشش بسيطة من التى يوجد بها «حصيرة» وبعض المفارش، أمام كل عشة آثار لأخشاب موقدة وفوارغ زجاجات خمور. «بعض من يهوى ركوب الخيل يأتون إلى هنا لممارسة هوايتهم المفضلة، وربما يجلسون لأخذ قسط من الراحة فى إحدى العشش ليتناولوا كوباً من المشروبات الساخنة، لكن أغلب القاصدين يأتون لتناول الكيف الحرام» يقول الدليل.[SecondQuote]
قبل غروب الشمس بدقائق، يصعد أصحاب «العشش» والعاملون فيها، حاملين معداتهم الأساسية، كالمشروبات والأدوات المستخدمة فى تسخينها كأنابيب البوتاجاز وشعلات الغاز الصغيرة، كما يحملون على سياراتهم ماكينة توليد الكهرباء، لإضاءة بعض المناطق بالعشش.
حينما بدأت الشمس فى المغيب بدأت أفواج من الشباب تصعد إلى أعلى الجبل، يستقبلهم أحد العمال فى كل «عشة» يتسلم منهم الدواب والخيول ويربطها فى مكان مخصص لوقوف الدواب بجوار «الخيام»، حينما غابت الشمس بدأت أضواء السيارات التى تصعد تضىء ليل المكان، يراها من أعلى الجبل على مد البصر، فى طريقها إلى الخيام، محركات «بيتش باجى» تهبط من أعلى الجبل لتنقل الزبائن إلى «العشش» و«كاريتات» تجرها الخيول تصعد أيضاً.
يقول الدليل الذى رافقنا فى الرحلة إن كل «عشة» بها جلسات مختلفة، جلسة فى مكان «مكنون» بعيد عن الهواء لتناول المخدرات، وجلسة على كراسى أحد الصالونات القديمة، وجلسة على الرمل فى مجلس عربى، وجلسة أخرى فى الخيمة منعزلة تماماً عن الأعين، يتم غلقها لممارسة أعمال منافية للآداب، على حد قوله. يضيف الدليل قائلاً: «لو معاك حبيبتك وعايز تنفرد بيها فى الخيمة وتغمز الواد بـ100 جنيه حق القعدة، ولو عايز تضرب مخدرات أو سرنجات كيميا تقعد وتدفع حق القعدة، على الواحد 20 جنيه، غير حق المشروبات اللى لازم تشربها، ولو مش معاك مخدرات وعايز، هتلاقى ديلر فى العشش، أو ممكن ديلر يطلعلك الجبل مخصوص، لو كان من المنطقة ويعرف العشش كويس، أو ممكن تشترى من أصحاب العشش».
يشير الدليل إلى أن قوات الشرطة غائبة عن هذا المكان ولا تأتى فى حملات لتزيل هذه العشش التى أسسها عدد من سكان منطقة كفر الجبل بالقوة وبمخالفة القانون، ويضيف: فيه كاميرات على سور الأهرامات، وأكيد الشرطة بتشوف الممارسات دى، ليه مفيش حملات تأتى لتزيل البلاوى اللى بتحصل هنا، المكان هنا سمعته أصبحت أشهر من شارع الهرم.
فى إحدى «العشش»، وقف صاحبها يستقبل الزائرين من الشباب والشابات الذين يعرفهم جيداً بالاسم، كل مجموعة لها طقوس خاصة، الأحباب لهم أماكن فى الخيام، و«صحبة الشباب» لهم زوايا خاصة لتناول المخدرات والخمور، فى عشة «سامى» الأشهر من بين «العشش»، لأنها فى أعلى مكان جبلى بالمنطقة، يقف «سامى» يستقبل الشباب المقبلين، يستقبلنا قائلاً: طلباتكم يا باشوات. يجيبه الدليل: عايزين قعدة هادية، يستقر الدليل مع المحرر فى إحدى الجلسات بمكان مكشوف يجاور باب الدخول «للعشة»، لحظات قليلة، ويقترب ضوء خافت فى اتجاه العشة من على بُعد، سيارة فارهة تقترب من المكان، تدخل إلى ساحة الانتظار التى تضم أكثر من خمس سيارات، ينزل أربعة شباب من السيارة حاملين فى أيديهم زجاجات شهيرة لأنواع الخمور، ومأكولات، يقابل «سامى» الشباب بالترحاب ويبادلهم السلام الحار، فهو يعلم أسماءهم جيداً، لأنهم يتردّدون عليه بشكل منتظم، يصطحبهم صاحب العشة إلى مكان خلفها ليجهز لهم طلباتهم، لحظات أخرى ويصل خمسة شباب ذوو لهجة خليجية يمتطون خمسة خيول، وفى يد كل واحد منهم كرباج يقود الخيل به، يستقبلهم صاحب العشة بالترحاب مثل سابقيهم، ويبدو أنها المرة الأولى لهم فى المجىء إلى هذه العشة، يتحدث الشباب مع صاحب «العشة» بصوت خافت ويرتفع صوتهم قليلاً حتى يقول «سامى» لهم بصوت مسموع: شوف العشش اللى حوالينا، لو حد باعلك نفس الصنف اللى أنا هاديهولك ابقى تعالى خده منى ببلاش، ينظر الشباب إلى بعضهم البعض، ويقررون الرحيل من هذه «العشة» ويتجهون إلى إحدى العشش المجاورة التى يظهر ضوؤها على بُعد مائة متر من العشة التى يستقر فيها الدليل مع المحرر.
شابان فى صحبة سيدة يجلسون فى مكان مكشوف بجوار جلستنا على أحد كراسى الصالون البالية التى توضع فى باكية منفصلة عن المجلس العربى على الرمل، يقترب شاب منهما من «سامى» ويطلب ورق «بفرة»، يضع صاحب العشة يده فى جيبه ويستخرج منه «دفتر بفرة» ويعطيه ما يريد، يعود الشاب الثلاثينى إلى مجلسه، ويبدأ فى إعداد سجائر «ملفوفة» مع صحبته. يقترب «سامى» من مجلسنا، قائلاً: إيه؟ أجيبلكم إيه؟ يجاوبه الدليل: هات شيشة، واحنا معانا الكيف بتاعنا، هات شوية شاى سكر برة، يقطع الحديث مجموعة شبابية بها أكثر من عشرة أفراد فى متوسط العمر، راغبين فى الجلوس بالعشة، يلتفت إليهم «سامى»، يصطحب الشباب معهم «كانزات» البيرة والخمور، جلسوا مع بعضهم فى حلقة يتناولون «الكيف»، طلب أحدهم أربعة أكواب فارغة كى يستخدموها فى صناعة «كيفهم»، بدأ ثلاثة منهم فى تجهيز «الكيف» ووضعه فى الأكواب وإشعاله لحبس الدخان داخل الأكواب، ومن ثم يقومون بالتوالى باستنشاق المخدر، طلب الشباب من صاحب «العشة» أن يُشغل الكاسيت على أحد المهرجانات الشعبية، وبدأ الشباب فى الرقص مع بعضهم. يستخدم أصحاب «العشش» ماكينات توليد الكهرباء، ويوجد فى كل عشة ماكينة يشغلون بها الإضاءة والكاسيت.
بدأت أفواج ثنائية تأتى فى «كاريتات» إلى «عشة سامى»، حيث يعلم «سامى» مبتغاه، كل زبون يقبل عليه، لأنه تردد عليه أكثر من مرة ويعلم طلباته، بمجرد أن وصل شاب وفتاة عرفهما وأرشدهما إلى إحدي الخيام وأحضر لهما وسيلة إضاءة خافتة عبارة عن شمعة مثبّتة فى زجاجة مياه بلاستيكية فارغة سعة عشرة لترات، لتعطى إضاءة ضعيفة، بدأ الشاب فى غلق الخيمة من الجانبين وظلا فترة من الزمن لمدة تزيد على نصف الساعة، أنهى الشاب والشابة جلستهما، وخرج الشاب كى يدفع الحساب إلى صاحب «العشة»، تنتهى جلستنا داخل «عشة سامى»، ينادى الدليل على صاحب العشة، ويعطيه حساب «القعدة»، ستين جنيهاً لثلاثة أفراد، المحرر والمصور والدليل، ويعطيه حساب مشروب الشاى والشيشة خمسين جنيهاً.
عشش أخرى تراها مضيئة فى الجبل لا تختلف عن «عشة سامى»، فالمقبلون إلى العشش ما زالوا يتوالون، مجموعة تلو الأخرى، ومن يُنهى سهرته يغادر المكان فى اتجاهه إلى طريق ممرات الخروج فى الدروب الجبلية. يقول الدليل: المنطقة المحيطة بالأهرامات كلها عائمة على آثار، من السهل التنقيب على الآثار فى هذه المنطقة، لأن الحكومة غائبة، ولا يوجد شرطة أو مباحث هنا. لم يختلف الوضع فى «عشة سامى» عن أوضاع «العشش» الأخرى، فأمامها «مربط» للخيول وموقف للسيارات، ولكل «عشة» طريق واضح فى الجبل من كثرة سير السيارات أو الخيول أو «الكاريتات» عليه، آثار زجاجات الخمور المهشمة حول كل عشة، شباب ينفردون ببعضهم لتعاطى «سرنجات» مخدّرة، يجتمعون حول بعضهم بعضاً أمام العشش فى الهواء الطلق، ويتناوبون تعاطى المادة المخدرة، الساعة كانت تقارب على الثانية صباحاً، وما زال الشباب والشابات يصعدون إلى الجبل من طرق ودروب كثيرة فى اتجاههم إلى العشة التى يريدون الجلوس فيها، بعض الصاعدين كانوا يأتون للمرة الأول، لأن بصحبتهم دليلاً يأخذهم إلى مكان تتوافر به احتياجاتهم.[FirstQuote]
طريق العودة أسهل، فالهبوط من أعلى الجبل فى الرمال أسرع من الصعود، فالمنحدر فى طريق العودة، ما زال «الناضورجية» يقفون فى أماكنهم يدقّقون النظر فى الصاعدين إلى العشش، معهم كشافات صغيرة يضيئون بها على الأرض، يبحثون عن المتعلقات المفقودة من راكبى الخيل حتى يأخذوها، يبحثون دون علم مسبق بأن هناك شيئاً مفقوداً لكنهم يتوقعون وجود متعلقات مفقودة فى خط سير الزائرين، يقول الدليل: ده أكل عيشهم، ركوب الخيل يُعرّض حافظة النقود بالجيوب الخلفية للسقوط فى الرمل أثناء ركوب الخيل، ولازم الناس دى تلاقى كل يوم فلوس أو قطع ذهبية مفقودة من الناس فى الرمل.
مازال «بعض الشباب» يشير إليهم الدليل قائلاً: «هما دول اللي بيبيعوا مخدرات» يقفون فى مدخل الطريق بجوار مقابر أبوعويان، فى ثوانٍ معدودة يخرج الشاب العشرينى الذى يستند إلى حائط المقابر، من الحقيبة التى يربطها على وسطه، مخدر الحشيش ويسلمه إلى الشباب الذين يركبون الخيول، يقول الدليل الذى يرافقنا: «ده مشهد يومى لبيع المخدرات لمن يدخل إلى العشش، متى تأتى قوات الشرطة وتقضى على المهازل التى تحدث فى المنطقة؟ ياريت لو الشرطة ترسل أفراد مباحث، قبل ما تيجى هتشوف بعينها كل ما يرتكب فى منطقة الأهرامات، وسترى خطورة هذه العشش على من يريد استهداف الأهرام من الإرهابيين، فقط سيقوم بقطع سلك السور بسهولة ويدخل للأهرامات فى أى وقت وينفذ ما يريده».
من جانبه، أكد الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار، أن المنطقة لا تتبع وزارته وأنها تابعة لمحافظة الجيزة، ولا تعد من المناطق الأثرية، لأنها خارج سور الأهرامات، ولهذا فإن الوزارة ليس لها أى سلطة على ما يحدث فى تلك المنطقة. من جهته، يؤكد رئيس حى الهرم اللواء إسماعيل عبدالواحد، الذى تولى مهامه الرسمية منذ أيام قليلة، أن المنطقة التى تقام فيها العشش والخيام بمنطقة الأهرامات تتبع حى الهرم، وهى مقامة دون ترخيص من الحى، لأن هذه المنطقة لا نرخص بها منشآت.
وأضاف: «سأقوم بمعاينة هذه المنطقة فوراً، حتى أحدد حجم المخالفات المقامة بها، وسأزيل المنشآت المخالفة فور حصرها».