(1)
أحاطت بالدين فى مصر والعالم الإسلامى دائرة مغلوطة من الاعتقادات، كان الاقتراب منها يعنى أننا أمام محاسبة إلهية فى الدنيا.
الاعتقادات الدينية المغلوطة، التى امتزج فيها الاعتقاد المُؤَول بالخرافة، تصدّرت مسرح الحياة المصرية على مدى سنوات طويلة.
نحن أمام حكاية قتلت فى مصر وخارجها آلاف البشر وملايين الأفكار، ووأدت التطور وأوضعتنا موضع التخلف ودول العالم الثالث، إلى جانب الكثير من الحكايات.
تحمّل الدين لسنوات طويلة مزايدات صعّبت روحه وسماحته وعزّزت التطرف.
بلغة التاريخ، هذه الاعتقادات صنعت حالة من الوهم، وزيّفت مشاعر الكثيرين، وخلقت حالة من العزلة الشعورية، بتعبير الإرهابى القدير سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق».
الهالة التى أحاطت بالدين السمح فى مصر، ورّطت الدولة والمجتمع فى سنوات طويلة من الخداع، أفقنا منها جميعاً على قنبلة من التطرّف، عشّشت ونمت بالأساس فى كل ركن من أركان الزاويا والمساجد، خارج روح الدين وسلطة الدولة ردحاً من الزمن.
(2)
قبل يومين، أصدر وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة، قراراً تاريخياً وشجاعاً، ضمن سلسلة من القرارات، التى كشفت وَهْم سنوات طويلة من التديّن المزيف والزائف بفعل التشويه المتعمد.
وزير الأوقاف ألغى صناديق التبرعات والنذور من المساجد التى طالما كانت ولا تزال محل شبهات سرقة ولصوصية وتوظيف غير شرعى طوال الوقت، وقصرها على مساجد محدودة بعينها، ينظم عملها القانون الذى حدّد لجاناً رقابية تشرف عليها.
نحن أمام قرار تاريخى وجرىء.
تاريخى لأنه أنهى سنوات من استغلال تبرعات الناس، إلى ما لم تكن تعلم مآله.
تمويل.. إرهاب.. سرقة.. ابتزاز.. تسول.. أى شىء، يمكن أن تتوقعه أو لا تتوقعه أو يقع خارج دائرة خيالك، كان يمكن أن يحدث بأموال التبرعات للمساجد، رغم صدق مقصد المتبرعين.
التبرع للمساجد كان فى بعض الأحيان، بل والكثير أيضاً، ابتزازاً لجمهور المصلين، من غالبية المسيطرين على بعض بيوت الله.
هذا الابتزاز كان منبته الأساسى الدائرة التى أحاطت بالدين لسنوات طويلة، فسرقت من جيوب المواطنين وقوت يومهم، إلى مجهول لم يكونوا يعلمونه.
نحن أمام وزارة أوقاف لها بصمة حقيقية فى تطوير الخطاب الدينى.
نحن أمام وزير قدير غيّر من ثياب وزارة بأكملها، فأوقفها على قدميها، مما مكّن الدولة المصرية من السيطرة على التطرّف بشقه المعرفى.
تحت يدىّ عشرات القصص الموثّقة عياناً من سرقات أموال المتبرعين فى المساجد وآلاف القصص غير الموثّقة.
هذه القصص تجمعها مشروعية واحدة موثّقة تجيز سرقة الأموال والحصول عليها باسم «العاملين عليها»!
«العاملين عليها» دليل قرآنى استخدمه لصوص التبرعات فى المساجد زوراً وبهتاً لشرعنة الاستيلاء على أموال التبرّع حسنة الغاية.. فكانت الكارثة!
كارثه تشريع الاستيلاء على أموال التبرع باسم الدين، فذهبت للبطون وتمويل جماعات الإرهاب التى كان التبرع ولا يزال عماد قوامها فى التخريب والإفساد.
(3)
نحن أمام رجل دولة حقيقى وعالم له بصمته فى فهم الدين. وضع شروطاً للخطابة، وحدّد أوقاتاً لفتح المساجد، وأرسى قواعد للأذان. وأنهى فوضى فى المساجد تعمل منذ عشرات السنين، حتى صارت بلا صاحب، وأضحت دويلات يتقاسم السيطرة عليها الفاسدون والإرهابيون!
وزارة الأوقاف إذا ما أردنا تقييمها من بين كل الوزارات، فهى الثالثة بعد الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب.
لولا القرارات الجريئة التى اتخذتها وزارة أوقاف دولة ٣٠ يونيو، لعاد الإخوان من شبابيك التطرف عبر المساجد مرة أخرى.
(4)
مصر تخطو جزئياً خطوات ثابتة نحو تطوير خطابها الدينى، إلى مكانة لم نكن نحلم أن نصل إليها فى يوم من الأيام.
صحيح أن وزير الأوقاف ترس فى منظومة وضعها الرئيس السيسى، عقل مصر الحديث، لكن الصحيح أيضاً أنه ناجح وفعال، لم يتوقف ولو لدقيقة واحدة منذ اختياره مسئولاً فى الحفاظ على المساجد.
هذا رجل جاء بفهم ودراسة لطبيعة ملفاته، فأنجزها وأوجز فيها، فكانت النتيجة التى نقف أمامها الآن.
حَسُن اختياره، فأحسن فى مهامه. فتحية كبيرة له على ما قدمه لمصر عبر موقعه فى الأوقات الصعيبة.
(٥)
القرار التاريخى لوزارة الأوقاف لا بد أن يوازيه قرار مماثل من وزارة التضامن فى قضية تبرعات الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى.
ما يسرى من مخالفات ولصوصية وتوظيف فى تبرعات المساجد يسرى فى الجمعيات الأهلية.
وجب صدور قرار مماثل لقرار وزارة الأوقاف بالحفاظ على أموال المصريين حتى تكون الغلبة بالكامل للقانون والحفاظ على هذه الأموال العامة، لدرء الفساد وتمويل الإرهاب، ووقف الممارسات المشبوهة.