يوم خالد فى تاريخ العالم الحديث على وجه العموم، والعسكرى منه على وجه الخصوص، يوم اندفعت فيه 120 طائرة عسكرية إسرائيلية، وعلى مدار 52 دقيقة، فى اتجاه القواعد الجوية المصرية فى المنصورة والصالحية وطنطا بهدف تدميرها.
يوم أثبت فيه الطيار المصرى -مجدداً بعد إنجازات حرب الاستنزاف- أنه بالفعل نسر الجو فوق أرض مصر وحورس سمائها، حيث لم ينجح فقط فى إفشال مخطط إسرائيل وعودة مَن عاد من طياريها وهم يجرون أذيال الخيبة، ولكنه سجل فى التاريخ العسكرى الجوى رقماً جديداً فى مواجهة هذا العدد من الطائرات فى تلك المدة الزمنية.
فهل حكيتم لأبنائكم ما حدث أم تناسيتم كما أراد عدوكم؟
كانت أيام حرب أكتوبر الأولى موجعة بالنسبة لإسرائيل إلى حد إعلان «موشيه ديان»، وزير الدفاع الإسرائيلى، هزيمة إسرائيل يوم 9 أكتوبر، لولا صرخات «جولدا مائير» لواشنطن لدعمها بدلاً من احتراق إسرائيل. صرخات الإغاثة لم تكن فقط من قِبَل إسرائيل إلى واشنطن، ولكنها كانت قد جاءت أيضاً من دمشق للقاهرة لتخفيف الضغط على سوريا. هنا كان قرار الرئيس السادات السياسى الذى أضفى بنتائجه على مسار المعركة، تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر 1973. فى ذلك الوقت كانت إسرائيل قد تلقت شحنات السلاح الأمريكى عبر مطار العريش لقواتها الرابضة فى سيناء منذ هزيمة يونيو 1967. فكان تفكيرها فى تدمير القواعد العسكرية المصرية لعدة أسباب، أولها تكرار سيناريو 5 يونيو 1967 فتصاب القوات المصرية بالشلل فى الجو وتصبح هدفاً سهلاً للعدو، وثانيها أن قاعدة طنطا كان يوجد بها طائرات «الميج» الليبية التى تدرب عليها الطيارون المصريون وعادوا بها لمصر عام 1972، كما أن قاعدة المنصورة كانت تحتضن طائرات «الميج» ضمن ما كان يُعرف بالسرب 46.
السبب الثالث أزاح عنه الستار كتاب صدر فى بريطانيا فى أكتوبر عام 2019 للكاتب توم كوبر بعنوان: «1973 الحرب النووية الأولى»، عن دار نشر «هليون وشركاه» المتخصصة فى التأريخ العسكرى، حيث يقول الكتاب البريطانى الذى يحتوى على عشرات الخرائط والوثائق العسكرية: «كانت المنصورة أيضاً قاعدة للوحدة المصرية الوحيدة المزودة بصواريخ باليستية R-17E، والمعروفة باسم SS-1 Scud فى الغرب، واعتباراً من أكتوبر 1973، كانت هذه الصواريخ هى السلاح الوحيد فى أيدى المصريين القادرين على الوصول إلى وسط إسرائيل - وهذا فقط إذا تم إطلاقه من المنطقة المحيطة ببورسعيد».
وهكذا كانت أهداف إسرائيل من تلك الهجمة الشرسة بـ120 طائرة من أحدث الطائرات الأمريكية على تلك القواعد، ولكن كان الرد المصرى قاسياً بتوثيق التاريخ العسكرى، حيث تم تدمير 17 طائرة إسرائيلية مقابل ست طائرات مصرية. يوم صار فى التاريخ عيد القوات الجوية المصرية، الذى يصفه الكتاب السابق ذكره بالقول: «فى الواقع، فى مصر، وصل الرد على الهجمات الإسرائيلية إلى مستوى الأسطورة، الأمر الذى دفع القاهرة لإعلان ليس فقط انتصاراً هائلاً، ولكن أيضاً خلدت مصر تاريخ 14 أكتوبر 1973 ليكون عيداً دائماً لقواتها الجوية، حيث حدثت فيه معركة المنصورة التى تعد أطول معركة جوية فى التاريخ الحديث».. احفظوا التاريخ.