الكنيسة المعلقة.. أقدم كنيسة في مصر "تتجدد" أخيرا
في حصن بابليون الذي شيَّده الرومان خلال القرن الثاني الميلادي للدفاع عن مدينة "ممفيس"، أُنشئت كنيسة السيدة العذراء والقديسة دميانة أو "الكنيسة المعلقة" كما اشتهرت، بعد ما يقرب من أربعة قرون، تستقبل روادها بآية "اقرعوا يفتح لكم"، واستقبلت المنطقة بعدها بعدة قرون مسجد عمرو بن العاص كأول مسجد في مصر، شوارع وطرق ممتدة احتضنت بين طرقاتها الكنيسة والمسجد والمعبد اليهودي، لتظل "المعلقة" أقدمهم شاهدة على عبق التاريخ عبر قرون طويلة.
بين بناء الكنيسة على المكان الذي احتمت فيه العائلة المقدسة أثناء هروبها من فلسطين واحتمائها بمصر، وكونها قلاية لإحدى الراهبات التي عاشت في السراديب الصخرية المحفورة بالمكان، اختلفت الروايات حول بناء الكنيسة إلا انها اتفقت جميعًا على إقامتها على أحد أبراج حصن بابليون على ارتفاع 14 مترًا عن سطح الأرض، بالمدخل الجنوبي للحصن، الذي بناه الإمبراطور تراجان في القرن الثاني الميلادي.
"سلو تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم".. آية تستقبل بها البوابة ذات النقوش الإسلامية زائريها، ثم تفتح أبوابها إلى حيث المدخل المزين بالفسيفساء على جانبيه، ويقودك بدوره إلى ذلك السلم الرخامي الذي ينهي لك مطافه لداخل الكنيسة، التي تستمد روحانيتها وقدسيتها من رفات عدد كبير من القديسين والشهداء ضحايا عصر الاضطهاد على يد الإمبراطور الروماني دقلديانوس.
"سفينة نوح" كان هو النمط الذي صُممت عليه الكنيسة، التي كانت مقرًا للبطاركة الأقباط على مدار قرون عديدة، من بين ثلاثة أنماط تصمم وفقًا لها الكنائس بجانب نمطي "الدائرة" و"الصليب"، وعلى الطابع البازيليكي بُنيت الكنيسة، من 3 أجنحة وردهة أمامها وهيكل كبير موزَّع لثلاثة هياكل صغيرة تحمل أسماء العذراء مريم والقديس يوحنا المعمدان والقديس مار جرجس، وبين الصحن الرئيسي والجناحين الصغيرين تقف ثماني أعمدة رخامية على كل جانب، كذلك تقف 3 أعمدة أخرى بين الصحن والجناح الشمالي.
بالأحجبة الخشبية أمام الهياكل، والتي يتفرد أحدهم بصناعته من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف، نقوش هندسية وصلبان زينتها، وعدد غير محدود من أيقونات القديسين، إلى جانب أيقونة السيد المسيح الذي يعلو العرش وكأنه يحتضن جدران الكنيسة بما تحويه من مصلين، قطعة فنية بدت أقدم كنائس مصر التي ما زالت تحتفظ برونقها الخاص، الذي أضافت عليه الزخارف ذات الروح الفاطمي مذاقًا مصريًا خالصًا، حين جددت عدة مرات خلال العصر الإسلامي.
الكنيسة التي جُددت عدة مرات خلال العصر الإسلامي، في عهود خلافة هارون الرشيد والعزيز بالله الفاطمي والظاهر لإعزاز دين الله، وبدأت عملية ترميمها لأول مرة عام 1992 بعد أن تضررت الكنيسة من الزلزال حينها، ثم أُعيد ترميمها ثانية عام 1998 بتكلفة تقرب من 102 مليون جنيه، لترميمها معماريًا وترميم الرسوم الجدارية والأيقونات، ومعالجة تأثير زيادة منسوب المياه الجوفية أسفلها، وتطويرها بشكل عام من تأمين وصيانة للمداخل والمخارج.
واليوم افتتح المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، مع البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبمشاركة عدد من السفراء والوزراء، بعد ما يقرب من 16 عامًا من الترميم والتطوير.