حتى إذا قال السيسى إنها «ثورة»: برضه «25 يناير» مؤامرة

التقط يتامى ومرتزقة 25 يناير تصريحات متناثرة للرئيس السيسى خلاصتها أن الشعب المصرى قام خلال ثلاثة أعوام تقريباً بثورتين: الأولى ضد فساد نظام مبارك وتصلب شرايين حكمه فى 25 يناير. والثانية ضد إرهاب عصابة الإخوان واستبدادها وخيانة رئيسها فى 30 يونيو، واعتبروا هذه التصريحات بمثابة اعتراف من «الدولة» -ممثلة فى رئيسها وابنها الشرعى (أى ابن مؤسستها العسكرية)- بأن ما جرى فى 25 يناير كان «ثورة» وليس «مؤامرة» ضد هذه الدولة!. بالنسبة لى.. لن تغير تصريحات السيسى -رغم فاشيتى فى محبته- من قناعتى، بل يقينى، بأن ما جرى فى هذا اليوم الأسود كان «مؤامرة» بكل ما سبقه من مقدمات ولحقه من نتائج.. «واللى ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى»، وإذا كان يظن أنه ليس أعمى فإننى على استعداد أن «أقرطس» له عشرات الوثائق التى تدينه، وأفقأ بها عينيه. أما أن يقول السيد الرئيس إنها «ثورة»، فهذا أمر طبيعى: أولاً لأن هذه شروط المنصب وأدبياته، وثانياً لأن الرجل يحاول جاهداً أن يلملم شتات المصريين وينهى حالة الاستقطاب التى أعقبت مؤامرة 25 يناير، والتى تصر عصابة الإخوان وكلابها فى الداخل والخارج على تأجيجها.. للحيلولة دون إعادة بناء ما دمرته هذه المؤامرة القذرة، وثالثاً وأهم لأن السيسى «خلاص».. أصبح رئيساً لكل المصريين، بمن فيهم هؤلاء اليتامى والمرتزقة، وغيرهم من نحانيح النخبة (ضلع المصريين الأعوج) وفئران المراحيض الذين يسمون أنفسهم «تياراً ثالثاً» و«اشتراكيين ثوريين»، وأولئك المازوخيين الذين يتسولون ويبلطجون ويتظاهرون باسم «25 يناير»، ولا يشعرون بأن لهم قيمة وأهمية إلا إذا تكهربوا، وناموا على «أمعائهم الخاوية» فى عفن الزنازين وعتمتها. أتفهم دوافع الرئيس، وآداب المنصب، واتساع نطاق مسئولياته السياسية والاجتماعية. وأتفهم أيضاً حالة الحبور والسرور التى انتابت كل رديف مؤامرة 25 يناير بعد أن أقر الرجل -الذى قبلوه أصلاً رئيساً على مضض، وراهنوا على فشله- واعترف بأنها كانت «ثورة».. ليس فقط أمام الرأى العام المحلى، بل أيضاً فى ثنايا خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبذلك فهو لم يمنحهم فقط قبلة الحياة بعد أن كانت أصواتهم خفتت وماتوا إكلينيكياً وداست جحافل الشرفاء، الراغبين فى استعادة بلدهم، على أوهامهم وأكاذيبهم الثورية بالنعال.. بل أعطى أيضاً -وهذا هو المهم بالنسبة لهم- «شرعية» لهذه المؤامرة، وهو ما جعلهم يعتقدون أن بإمكانهم الآن اقتحام المشهد السياسى من جديد، وذلك من خلال الضغط على نظام السيسى بالمطالب والشعارات التى رفعها هؤلاء المرتزقة فى ميدان التحرير، مثل العيش والحرية والعدالة والكرامة، وهى فى ظنى مطالب إنسانية عامة ودائمة وفضفاضة، ولا تحتاج إلى ضمانات ثورية لتتحقق.. ولو فى حدها الأدنى. بل لا أبالغ إذا قلت إن رفع هذه المطالب والإصرار عليها من قبل مرتزقة 25 يناير وفلولها من الإخوان وحلفائهم «الثوريين».. أصبح بضاعة تالفة، لا سوق لها ولا زبائن، خاصة بعد أن أعلن المواطن العادى، أى المستهدف بهذه الشعارات، انحيازه الكامل لفكرة «الدولة» فى صراعها مع وهم «الثورة». ولأن هؤلاء المرتزقة يدركون تماماً أن مطالبهم وشعاراتهم البيزنطية تحتاج إلى «دولة قوية»، لا إلى «ثورة مستمرة» لتتحقق.. فإن إصرارهم عليها يتجلى الآن، وكما هو واضح فى مواقف أخرى تبدو من وجهة نظرهم أكثر «واقعية» وقبولاً لدى قطاعات واسعة من المصريين، مثل إعلاء نبرة الهجوم على قانون تنظيم التظاهر والاتكاء على تجاوزات فردية للهجوم على جهاز الشرطة وإحداث وقيعة بينه وبين المواطن العادى، وابتزاز هذا المواطن بكثرة الحديث عن «عودة وشيكة لدولة مبارك»، والإيحاء بأن هناك فجوة بين الشباب ونظام حكم ما بعد 30 يونيو، هذه المواقف وغيرها مما نراه الآن.. إنما تدل بالبلدى على أن «ديل الكلب عمره ما يتعدل»، وأن ولاء هؤلاء المرتزقة لمؤامرة 25 يناير سيظل قائماً طالما هناك من لا يزال «يدفع».. حتى إذا كانت مواقفهم -التى قد تبدو للبعض «وطنية»- تصب فى النهاية فى خانة العداء لـ«الدولة»!. إن القول بأن تصريحات السيسى الأخيرة قد أعطت شرعية لمؤامرة 25 يناير لا يدحضه فقط ما سبق الإشارة إليه من أن الرجل كان يتحدث بوصفه رئيساً لكل المصريين، وبحكم ضرورات المنصب.. بل يدحضه أيضاً أن السيسى نفسه كان حاضراً وشاهداً على أهم وأخطر وأوضح فصول هذه المؤامرة، إذ كان أصغر أعضاء مجلس طنطاوى العسكرى ورئيس جهاز المخابرات الحربية، ثم وزيراً للدفاع فى أول حكومة يشكلها الخائن محمد مرسى بعد وصول عصابته الإرهابية إلى الحكم، وهو الذى حمل أمانة إنقاذ مصر من هذه المؤامرة فى 30 يونيو.. قبل أن يختاره المصريون بالإجماع رئيساً للبلاد، وكلهم أمل فى أن يتمكن من إزالة آثار عدوان 25 يناير. مرة أخرى وليست أخيرة، أقول إن هؤلاء المرتزقة من أمثال حمزاوى والأسوانى وهويدى والعليمى والغزالى والـ«إسراء» والـ«أسماء» و«قنديل نجلاء» و«بلال توكل» و«مصطفى باب النجار» وغيرهم من بلطجية الشوارع من أمثال طفل الموساد المدلل أحمد ماهر، وبطل فضيحة حرق المجمع العلمى أحمد دومة، وهذا الشىء الكريه المحاط بالوبر علاء عبدالفتاح، فضلاً عن فئران المراحيض الذين يسمون أنفسهم مرة «اشتراكيين ثوريين»، ومرة «تيار ثالث».. أقول إن هؤلاء كانوا منذ اندلاع ثورة 30 يونيو قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى «البكابورت» الذى أتوا منه، وما إن أعلن السيسى أنها كانت «ثورة» حتى ظن أغلبهم أنه تحرر أخيراً من عقدة الولاء المزدوج: قلوبهم مع «25 يناير» لأنها مصدر رزقهم، وعقولهم مع «30 يونيو» لأنها أمر واقع فرضته إرادة الملايين. سيقول بعضهم إنه لم يكن يعانى هذه العقدة، لأن 30 يونيو فى نظره موجة ثانية لـ«25 يناير»، وبلغت هذه الأكذوبة ذروتها فى خطاب مرشحهم الرئاسى حمدين صباحى، حين أعلن أنه يمثل «الثورتين».. فلم يفز بأى منهما، وكانت حصيلته الانتخابية مخزية. وحتى «حمدين» الذى يفترض أنه الأعقل بين رموز هذه المؤامرة.. خرج علينا بعد سُبات انتخابى طويل، معلناً أن براءة مبارك ستكون طعناً فى شرعية السيسى!.. ولا أجد رداً يليق بهذه البذاءة سوى.. «نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب»!. سيقول البعض الآخر، ممن كانوا مجرد «بيادق» فى مؤامرة «25 يناير» إنهم لم يكونوا فى حاجة أصلاً إلى اعتراف السيسى بأنها كانت «ثورة»، فهى فى نظرهم «ثورة» لمجرد أنها أتت بنظام حكم مدنى.. حتى إذا كان خائناً وإرهابياً. أما «30 يونيو» فستظل بالنسبة لهم عملاً مكروهاً لأنها أتت بحاكم ذى خلفية عسكرية. ونظام حكم سيعيد إنتاج دولة مبارك بفسادها وقمعها.. حتى إذا كان هذا الرئيس ونظام حكمه هما الضمانة الوحيدة لاستعادة هيبة الدولة المصرية وحماية أمنها القومى فى ظل مخاطر إقليمية ودولية لا تخفى على أحد!. أقول لكل هؤلاء: حتى إذا كان السيسى قد اعترف بأنها «ثورة»، وحتى إذا نزل بها نَص من السماء.. ستظل «25 يناير» فى نظرى «مؤامرة».. ولن تعدو أن تكون فى حكم التاريخ محطة مسكونة بالعفاريت والثعابين والخفافيش على طريق مهجور، كان ممكناً أن يؤدى بنا إلى «عراق» آخر، أو «سوريا» أو «ليبيا» أخرى.. لولا ثورة المصريين الحقيقية فى 30 يونيو، حيث لا مخابرات ولا تمويل أجنبى ولا حرق منشآت أو أقسام شرطة، ولا مساومة على أمن قومى، ولا عبث بهوية وطنية، والأهم: لا مكان فيها لمرتزق أو بلطجى أو نحنوح أو جربوع ثورى.