الازدواجية الأمريكية بين ليبيا والعراق.."لما المصالح تتصالح"
تتسارع وتيرة الأحداث، يزادد المشهد اضطرابًا في منطقة الشرق، وسط جملة من التحالفات تسيطر على الساحة، ففي أقصى الشمال الشرقي من المنطقة يظهر شبح تنظيم "داعش" في العراق الذي كشر عن أنيابه بقوة "العين الحمراء" لدول الخليج، في توقيت حرج يعاد فيه بناء موازين القوة في المنطقة من جديد.
بلغت حدة الصراع في الضفة الغربية من المنطقة أوجها، بينما الأزمة الليبية التي تخطت مسمى الحرب الأهلية في توصيفها وعجز المجتمع الدولي عن توصيف طبيعة الصراع فيها تتلاحق الأحداث فيها وتتشعل ككرة اللهب يومًا تلو الآخر، وسط حذر وترقب واضح من المجتمع الدولي.
الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية والعراقية كان مختلفًا في جوهره ومضمونه، فرغم استمرار الأزمة الليبية، وتصاعد وتيرة الأحداث فيها منذ أشهر، لم تعط الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا، مكتفية بدعم سياسي ولوجيستي للحكومة المنتخبة، إضافة إلى عرقلة أي تحرك عربي لمساندة التغيير في ليبيا وإدانته.
وعلى صعيد آخر بدأت الولايات المتحدة حشدًا دوليًا لشن حرب على تنظيم "داعش"، وبدأت طبول الحرب في العراق تدق من جديد عقب سقوط جزء كبير من الأراضي العراقية في يد التنظيم الإرهابي، وضعف موقف القوات الحكومية، وتوغل داعش داخل أراضي إقيلم كردستان وقيامها بعمليات تطهير عرقي ضد الأقليات الكردية والمسيحيية في العراق.
يؤكد السفير عادل العدوي، في حديث لـ"الوطن"، أن المصلحة هي المحرك الرئيسي لأي تحرك عسكري من قبل الإدارة الأمريكية، فأمريكا هي التي وضعت كارت "داعش" في المشهد، والآن قررت أن تسحبه بتحالف دولي تؤمن به مصالحها، بعد أن خرجت "داعش" عن المسار الذي رسم لها، وبالتالي فالدول العربية لا بد أن تكون شديدة الحذر في التعامل مع الحرب على "داعش".
ويرى علاء شلبي الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن المجتمع الدولي والقوى الإقليمية اكتفت بالدعم السياسي للبرلمان الليبيي، ولا نية لتدخل عسكري هناك؛ فالخلاف القائم في ليبيا الآن هو خلاف أهلي وأي تدخل عسكري سيزيد الصراع اشتعالاً.
وأضاف شلبي، في اتصال هاتفي مع لـ "الوطن"، أن أمريكا لم تعر "داعش" اهتماما كبيرًا عندما كان الصراع دائرًا في المناطق الشيعية والسنية، وعقب تحول المسار الصراع لتهديد مصالحها في كردستان العراق وذبح الصحفيين الأمريكيين بدأت تحشد قواها لتوجيه ضربات أكثر إيلامًا لـ"داعش"، وتسعى الولايات المتحدة لحصد عدة مكاسب إستراتيجية من الحرب على "داعش"، أولها مزيد من الضغط في سوريا وإيران، ورأب الصدع في التحالفات الخليجية القديمة، وفتح نوافذ جديدة للتواصل مع القيادة المنتخبة في مصر، وهي القوة العسكرية الأقوى في المنطقة الآن.
وأوضح الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج الآن إلى حليف جديد يؤمن مصالحها في العراق بعد احتراق كارت "المالكي" في الأزمة الأخيرة لدى الشارع العراقي، مضيفًا أن الحروب التي خاضت أمريكا طوال تاريخها ارتبكت فيها مهازل في مجال حقوق الإنسان، رغم أنها تدخل هذه الحروب مرتدية عباءة الديمقراطية والحرية كنافذة لتمرير مصالحها.
ويرى الدكتور جمال سلامة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن المستفيد الأول من الصراع في ليبيا الآن هي إسرائيل لأن هذا الصراع يساهم في زيادة الضغط على مصر أمنيًا وسياسيًا، ويساهم في تحقيق المخطط الصهيوـ أمريكي في المنطقة، بتغيير خريطة المنطقة في السنوات المقبلة، وتجزئة دولها إلى عدة دويلات صغيرة.
وأشار سلامة، في حديثه لـ"الوطن"، إلى أن أمريكا تهدف لتوريط عدة دول في الصراع في العراق، وعلى رأسها دول الخليج، لإدخالها في دوامة من الفوضى، ربما تمتد إلى مدة لن تقل عن 10 أعوام، مضيفًا أن الولايات المتحدة ستكتفي فقط بالضربات الجوية، وتورط جيوش هذه الدول في حرب عصابات في بلاد الرافدين.
واستطرد سلامة قائلاً إن الولايات المتحدة التي تمتلك أقوى جهاز مخابرات في العالم لم تجب حتى الآن عن مصادر تمويل تنظيم "داعش"، مضيفًا أن "داعش" هي المشروع البديل للمشروع الإخواني لتدمير المنطقة.