مواطنون ضد الحياة.. "كل ما تتخنق ولع في نفسك"
تعددت الأسباب والوسيلة واحدة، "بطالة، ظلم، قهر، تهميش..ومعاناة" كلمات رغم اختلاف توظفيها اللغوي في سياق الأحداث إلا أنها كانت حاضرة بقوة في مشاهد الإقبال على الانتحار الذي بدأ البعض يلجأ له في السنوات الأخيرة كنوع من التعبير عن الاحتجاج على شيء ما أفقدهم قيمة الاستمرار في الحياة أو ربما استخدام هذه الوسلية "كارت" للضغط للاستمرار في الحياة بصورة أفضل.
"البوعزيزي"، شعلة الثورة التونسية، أول من وضع نفسه أمام النار بحثًا عن حياة، ربما تكون أكثر راحة، تاركًا خلفه حياة مريرة كان التهميش والظلم العنصر الأكثر حضورًا فيها.
أصبح الشاب العشريني ذو الملامح السمراء محمد البوعزيزي، "قدوة" لكل من فقد الأمل في حياة أفضل، فالشباب التونسيون الذي خرجوا في الشوارع والساحات رافعين شعارات الحرية والكرامة الإنسانية تركوا الحياة خلفهم وجعلوا مأساة البوعزيزي أمام أعنيهم للبحث عن المستقبل.
الجزائر بلد الثورات التي ضحت بمليون شهيد من أجل الحرية والاستقلال، دفعت ظروف الحياة القاسية فيها شاب في مقتبل العمر يدعى محسن بوطرفيف إلى الانتحار حرقًا في 15 من يناير 2011 عقب رفض مسؤول محلي إعطاءه فرصة عمل، ومات متأثرًا بجراحه وأقيل المسؤول من منصبه عقب تلك الحادثة.
الاضطهاد هو سمة تغلب على المجتمعات الإفريقية التي تمثل القبلية عنصرًا رئيسيًا في النسيج المكون لها، وهو ما دفع رجل الأعمال الموريتاني يعقوب ولد دحود على إحراق نفسه داخل سيارته أمام مجلس الشعب، احتجاجًا على سوء المعاملة التي تعرَّضت لها عشريته من قِبل الحكومة الموريتانية.
مصر بلد المهمَّشين، التي توجد به نسبة كبيرة من الشباب العاطلين في الوطن العربي، دفعتهم الظروف واحدًا تلو الآخر إلى الإقدام على الانتحار حرقًا، بداية من المواطن عبده عبدالمنعم حمادة الذي أشعل النار في نفسه في 17 يناير 2011 أمام مبنى مجلس الشعب المصري احتجاجًا على إغلاق مطعمه.
واستمر المكبوتون في استخدام الوسيلة الأكثر إيلامًا في الرحيل عن الحياة، فمواطن آخر أشعل النيران في نفسه أمام مبنى وزارة الكهرباء اعتراضًا على رفضه تعيينه، ومرورًا بآخر في السويس، التي تعتبر أيقونة ثورة 25 يناير، أشعل النار في جسده أمام مبنى المحافظة، اعتراضًا على انهيار منزله وتجاهل المحافظ له.
آخر المقدمين على الانتحار حرقًا رجل مسن في أوائل الستينيات من العمر، أشعل النار في نفسه أمام المبنى الخلفي لمجلس الوزراء بشارع حسين حجازي، بسب فصله من هيئة النقل العام، وتقديمه عددًا من الشكاوى دون جدوى، وأُصيب ببعض الجروح الجزئية في جسده.
ويحلل الدكتور ماهر الضبع، أستاذ الطب النفسي بالجامعة الأمريكية، تلك الظاهرة قائلًا إن إقدام بعض الأشخاص على الانتحار بإشعال النيران في نفسه هو نوع من الانتقام من كيان أو شخص جعل "المنتحر" يصل لحالة من اليأس من الحياة فهو يريد الموت لفضح هؤلاء الأشخاص، أو استخدام هذه الطريقة كأنها "كارت ضغط" لإيصال صوته حتى يتسجيب أولي الأمر لمشكلاته أو مطالبه.