تناولت فى المقالين السابقين بعنوان «السقوط الدرامى وتزييف الوعى» ما يشهده الإعلام المصرى -وخاصة التليفزيونى- من حالة انفلات وفوضى وعشوائية تتسم بها البرامج الحوارية من إشاعة التضليل والزيف والأكاذيب والاستهانة بمقومات المجتمع ومتطلبات الأمن القومى، وانتقال هذه الحالة المتردية إلى الأعمال الدرامية والبرامج الترفيهية الخفيفة، وما ساد هذه الأعمال من تدليس ومؤامرات ومظاهر العرى والخمور والمخدرات والخلاعة والتنابز بالألقاب وإهدار الذوق العام. ومع ذلك يقتضى الإنصاف أن نتوجه بالشكر والتقدير للإذاعة المصرية وشبكاتها المختلفة التى تحرص دوماً على تقديم المعلومات الصادقة، والثقافة الرفيعة، والترفيه الراقى، ومراعاة قيم المجتمع وآدابه وتقاليده، وهى سمة متوارثة من الآباء العظام للإذاعة المصرية منذ نشأتها عام 1934 وامتد تأثيرها الإيجابى إلى الأبناء والأحفاد، ورغم المنافسة الحادة مع وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والإلكترونية، لا تزال الكلمة المذاعة تكتسب قوة إيجابية ذات خصائص متعددة، منها السرعة الفائقة التى تتنقل بها الرسالة الإذاعية من مصدرها إلى أذن المستمع متخطية حواجز الزمان والمكان والأمية، والقدرة على مخاطبة فئات الجمهور المختلفة وإمداد المستمعين بالثقافة والعلوم والفنون والأخبار الفورية أينما كانوا، وتتنوع المواد الإذاعية على مدار الساعة لتقديم خدمات عديدة ومتنوعة تلبى احتياجات المستمعين ورغباتهم. وتتسم الإذاعة بكونها تخاطب الإنسان الفرد مما يجعلها وسيلة حميمية تحقق الحد الأقصى من التفاعل مع جمهور المستمعين، واستخدام الإذاعة لمزيج من الكلمة المنطوقة والموسيقى والمؤثرات الصوتية يتيح لها الجمع بين التأثير العقلى والوجدانى والإثارة وتحريك الخيال إلى أقصى درجة. وقد حفل شهر رمضان الماضى بعشرات البرامج والمواد الإذاعية والأعمال الدرامية عبر الشبكات الإذاعية التى تحفز العقل على التفكير وترتقى بالوجدان، ولعل من بين هذه الأعمال المتميزة مسلسل إذاعى كوميدى بعنوان «ما محبة إلا بعد غباوة» فى قالب كوميدى رشيق وسريع الإيقاع مستوحى من رائعة وليم شكسبير «ترويض النمرة» مع إضفاء رؤية عصرية تتفق مع البيئة المصرية، والعمل للمؤلف الواعد الشاب ياسر بدوى ويعد أحد إبداعات المخرج الإذاعى القدير على عبدالعال، ويعد هذا العمل هو التعاون الثانى بين المخرج على عبدالعال، والمؤلف ياسر بدوى والفنان مصطفى شعبان حيث قدموا فى العام الماضى مسلسل «إشاعة حب ديجيتال»، وهو نفس العام الذى أخرج فيه المبدع على عبدالعال مسلسل «العريس» عن قصة الأديب العالمى نجيب محفوظ. ويضم مسلسل «ما محبة إلا بعد غباوة» لفيفاً من نجوم الفن، بطولة الفنان مصطفى شعبان، والفنان القدير أحمد حلاوة الذى لم يحظ بالتقدير اللائق حتى الآن، والفنانة الواعدة «حورية فرغلى» فى أول تقديم لها بالدراما الإذاعية، فضلاً عن الفنانين الواعدين أحمد الحلوانى، وعلاء الحريرى، وهشام عطوة، ونفرتارى، ومولى يوسف، ومحمد إكرام، ومحمد نصار، وأحمد ياسر، والطفل أحمد على، ويجمع هذا المسلسل بين المتعة والإثارة والتشويق كما هو شأن أعمال المخرج على عبدالعال التى تتميز بمذاق خاص تراعى آداب المجتمع حيث يخلو العمل من ألفاظ تخدش الحياء العام، أو إيحاءات فجة، كما نشاهد فى معظم الدراما التليفزيونية، وبالتالى التحية واجبة للإذاعة المصرية والعاملين فيها.