فى ظل غياب كامل للدولة عن وضع الضوابط المنظمة للعمل الإعلامى، استمر الإعلام المصرى فى حالة الفوضى والانفلات والعشوائية التى انتقلت من البرامج الحوارية (توك شو) التى ساهمت فى تقسيم أبناء المجتمع الواحد، وتكريس الفتنة، وإشاعة التضليل والزيف والأكاذيب، والاستهانة بمتطلبات الأمن القومى، وإفساد العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة بداية من الجزائر مروراً بإثيوبيا وأخيراً المغرب، امتدت هذه الفوضى إلى الأعمال الدرامية والبرامج الترفيهية الخفيفة وكأن منتجى هذه الأعمال يهدفون إلى إفساد مظاهر شهر رمضان المبارك من خلال صناعة سطحية وفجة لتشويه الواقع الاجتماعى وتزييف وعى المواطنين.
لقد عرضت مسلسلات هذا العام كل ما يمكن تخيله من تدليس ومؤامرات وخمور ومخدرات وخلاعة ورقص وتنابز بالألقاب، فضلاً عن إظهار المرأة بصورة منافية للقيم والآداب العامة، وخلت جميع الأعمال الدرامية من مسلسل واحد يؤرخ لكفاح الوطن ومظاهر رقيّه وحضارته، ويحث على إعلاء قيمة العمل والإنتاج، ويطرح الأمل فى مستقبل أكثر إشراقاً، بل على العكس، تم إنتاج مسلسلات لتشويه التاريخ الوطنى والحط من قدر الرموز الوطنية، واتسمت الدراما بالبذخ الشديد فى الإنفاق، والإبهار فى كل مظاهر الثراء مع محتوى غث يركز على القشور ويفتقد العمق والتفسير. اختفت المسلسلات الدينية والتاريخية وأعمال السيرة الذاتية التى ترتقى بالوعى وتنهض بمستوى الذوق العام، وغابت الطبقة الوسطى فى كل الأعمال الدرامية رغم أن هذه الطبقة هى التى تقود التغيير وتدفع بحركة المجتمع إلى الأمام، وتعكس القيم والآداب والتقاليد الراسخة فى المجتمع، وبات التركيز إما على طبقة الأثرياء من رجال الأعمال الفاسدين وتحالفاتهم مع رموز الطبقة الحاكمة الأكثر فساداً، أو تصوير الفئات الضعيفة والمهمشة مع التأكيد على مظاهر السلوك المنحرف والانحلال الأخلاقى. أكد الكثير من الأعمال الدرامية استهداف جهاز الشرطة الوطنى من خلال رسم صورة سلبية للعاملين بهذا الجهاز، وطرح نماذج للضباط المنحرفين والساديين ومظاهر سوء التعامل مع المواطنين الشرفاء، وعشرات المشاهد عن أقسام الشرطة والسجون ومظاهر التعذيب الوحشى والفساد داخل الأجهزة الشرطية، وذلك فى الوقت الذى تخوض فيه أجهزة الشرطة معارك ضارية مع عتاة المجرمين والإرهابيين، وفقدان هذا الجهاز الشريف يومياً المزيد من الشهداء. وهكذا استطاعت العملة الرديئة أن تطرد العملة الجيدة، واختفى كبار المؤلفين العظام أمثال محفوظ عبدالرحمن، وكرم النجار، ومحمد جلال عبدالقوى، وعاطف بشاى، ومحمد السيد عيد، ومحمود الطوخى، وبهاء الدين إبراهيم، ووحيد حامد، وفيصل ندا، وغيرهم من كبار الأدباء، وظهر أنصاف الموهوبين وورش التأليف المتهافتة، وكشفت الأعمال الدرامية لهذا العام عن التحكم المقيت لشركات الإعلان فى المحتوى الإعلامى، وسيطرة هذه الشركات على صياغة شكل الدراما، واختيار الموضوعات التافهة التى تجلب الإعلانات، وتساهم فى تدهور مستوى الذوق العام. إن التباطؤ فى إعادة هيكلة منظومة الإعلام المصرى من خلال تشكيل المجالس الوطنية التى أقرها دستور ٢٠١٤ سوف ينجم عنه خسائر فادحة على الوطن والمواطن.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.