بالفيديو| محمود درويش في آخر لقاءاته التليفزيونية: "اليهود ليسوا ملائكة كما يرون.. وليسوا شياطين كما نراهم"
"ما يحدث هو كوميديا سوداء"، بمنتهى المرارة وصف الشاعر الراحل محمود درويش، قضية اللاجئين الفلسطينيين واقتلاع شعب كامل من وطنه، ليظل 50 عامًا يعيش في مخيمات، والسماح للإسرائيليين بتفعيل مصطلح "حق العودة"، بالرغم أن بعض الفلسطينيين يتصدرون المشهد، هكذا بدأ الشاعر محمود درويش حواره التلفزيوني الأخير على القناة السورية، الذي تم تسجيله قبل أسابيع من وفاته. [FirstQuote]
هل أنت متابع للأدب الإسرائيلي؟
أنا ابتعدت عن الاطلاع على الثقافة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، بحكم البعد الجغرافي عن المكان لسنوات طويلة، بالإضافة إلي ضجري من "الأسطوانة الإسرائيلية التي تحاول تكتبنا نيابة عنا"، فهم يحاولون رواية القضية الفلسطينية بقلمهم، وهذا تقصير مني ومن غيري في الابتعاد عن الثقافة العبرية، حيث يجب أن نتابع لنعرفهم أفضل لتحسين أساليب النضال ضدهم أو من أجل الاستعداد للسلام معهم" . "نحن متجاورون إلى حد بعيد، ولكن نرفض أن نعرف بعض"، فهناك دار "الأندلس" في إسرائيل، وهي متخصصة في نشر كتب الأدباء العرب، وهو ما رفضه الكتاب العرب، وما عزف عنه الإسرائيليون، وقد تم إدراج قصائدي في المناهج الإسرائيلية، ولا يسعني القول إلا أنها "زوبعة في فنجان"، فهم دائمًا يطورون حاسة الخوف والهلع من الآخر، فهم علموا أنفسهم منذ الأزل أن هذه الأرض في انتظارهم إلى الأبد، خالية من التاريخ والسكان، فكيف يدرسون شعرًا يحب هذه الأرض، فهذا يكسر بنية ثقافية كاملة لديهم، فـ"شارون" يحسد الفلسطينيين على علاقتهم بالأرض.
هناك صورة نمطية في الأدب العربي عادة عن الشخصية الإسرائيلية، لماذا كسرت تلك الصورة في أشعارك؟
أنا منذ وقت مبكر، لا أنظر إلى الإسرائيليين كصورة نمطية، لأن أنا مولود هناك قبل قيام إسرائيل وهم من جاءوا إلينا، فبعضهم حسن والبعض الآخر سيء فليسوا ملائكة، كما يرون أنفسهم وليسوا شياطين كما نراهم نحن، فكنا جيران وأصدقاء وطلبة مع بعض وأعضاء في حزب يساري معًا، وبالتالي تحررت مبكرًا من رسم الصورة النمطية للشخصية الإسرائيلية، ولذا تم التعامل معهم بتلك الطريقة كصورة متحجرة، لن نستطيع التصالح معهم أو محاربتهم، وهذا الوعي المبكر حماني من التعميم والعنصرية.
يعيب البعض على محمود درويش في التعامل مع اليهودي كإنسان، ويخرق الصورة النمطية له كمحتل، ما تعليقك؟
أنا أحمي إنسانيتي ووعيي وأحمي صورتي الوطنية والقومية من تهمة العنصرية، فأنا فخور بأني أكثر إنسانية وانفتاحًا من الآخرين، فنحن قضينا ما يقرب من خمسين عامًا نتكلم حربًا و نعمل سلامًا، بينما على الجانب الآخر يتكلمون سلامًا ويخوضون حروبًا، فنحن اختارنا طريق السلام من أجل تحقيق حقوقنا الوطنية، وإنقاذ ما تبقى لنا من أرض، على أساس شروط دولية. .[SecondQuote]
هل تضيق ذرعًا بالنقض؟
"الإجماع أحد صفات القطيع"، لا يستطيع أحد أن يملك الإجماع من جميع الآراء، فمن الطبيعي أن يكون لك معارضين، خاصة أننا نمر بلحظة مقسمين فيها بين عبادة الماضي وبين أن مستقبلنا الوحيد في نسخ الماضي لنضعه في المستقبل، ويبقي الحاضر الضحية مضيعًا بدون بحث عنه، لذلك من الطبيعي أن يختلف الناس على الخيارات استراتيجيات وسياسية، فلم يمنع أحد الجيوش العربية من تحرير فلسطين إلا موازين القوة العالمية.
هل تدخل الآن في معارك فكرية؟
لا مزاج لدي للدخول في المعارك الفكرية، يمكن في الماضي كنت أكثر مشاكسة، أما الآن يتملكني الإحساس بأن الوقت صار أضيق، ويجب أن أنجز أكبر في مجال تخصصي وهو كتابة الشعر.
هل تراجعت المكانة الفكرية لمجلة "الكرمل"؟
المكانة الفكرية للمجلة لم تتراجع بالعكس، فهي مفتوحة بشكل كبير للنصوص الإبداعية، ولطرح القضايا الفكرية والسياسية.
هل تطمح في الحصول علي جائزة نوبل للأدب؟
بشكل واضح لا، لأنني أعرف أنني لا أستحقها، حيث أنها تعطي لكبار الأدباء والشعراء، وأنا لا أرى هذا بنفسي.[ThirdQuote]
حصلت على عدد كبير من الجوائز الأدبية العالمية، آخرها جائزة الأمير "كلاوس"، فحديثك عن كونك لا تستحق نوبل غير دقيق؟
هذا هو تقييمي لنفسي والظروف المحيطة بي، فالسبب ليس وراء الأسباب السياسية بل أسباب أدبية أيضًا.
هل من الممكن أن ترشح أحد أدباء العرب للحصول على جائزة "نوبل"؟
الشاعر السوري علي أحمد سعيد، الملقب بـ "أدونيس".
هل أنت بصدد كتابات نثرية؟
نعم، أعمل الآن على مشروع نثري كبير، فأنا اشتقت للنثر، وكنت أحلم في فترة مضت أن أكتب رواية باعتبارها شكل يتسع لكافة الأشكال الأدبية، ولكن لاحظت أن من الممكن أن أضيع وقت كبير في كتابة عمل قد يفشل، لذلك فيجب على الفرد أن يعلم أين موهبته.
ما علاقتك بالسينما والدراما؟
أنا مشاهد جيد للسينما، ومولع بشكل خاص بالدراما السورية، و"أدمنها" إلى حد ما، ومنتظر مسلسل عن محمود درويش بعد وفاته.
أنت تقدس الحداثة الشعرية، ولا تعتمد فقط على الصورة الشعرية الماضية، خاصة بعد تصريحاتك حول المتنبي في مهرجان قرطاج .. ما حقيقة ذلك؟
لم أتصور أن ما قلته في مهرجان قرطاج من الممكن أن يثير مثل هذه الردود، سواء المعارضة أو المؤيدة، بالإضافة إلى التأويلات الكبرى، فكلامي عن المتنبي أخرج عن سياقه.
ففي ندوة صحفية كبيرة بالمهرجان، طرح سؤال حول ما سر حبي للمتنبي، فأجبت بأنه يعتبر سلطة شعرية كبيرة ويعبر عن مرحلة تاريخية هامة، ويتجاوز قيمة عابرة للتاريخ، ما يجعلنا نقرأه حتي الآن، ونجده معبرًا عن عصرنا، مما يخلق إحساس لدي بأن المتنبي أكثر حياة و معاصرة منا جميعًا، و لم أقل "منكم"، لأني لا أستطيع أن أنفي الحداثة الشعرية العربية، وهي ذات إنجازات كبري، فأنا بذلك أنفي نفسي أيضًا، حيث أدعي أنني جزء من الحداثة الشعرية في مرحلتها المتأخرة، وأتابع بشكل دائم الأعمال الجديدة.
هل تقرأ لشعراء الشباب؟
أقرأ كل ما أستطيع أن أقرأه، فنحن لدينا مئات آلاف الأشخاص الذين يكتبون الشعر، ولا أبالغ إذا قلت ملايين، فلن أستطيع أن أقرأ كل شيء، ولكن الموهبة تبرهن على نفسها بسطوع، وتستطيع أن تراها من أول وهلة، فأنا أتصفح ما يرد لي وحريص بشكل كبير على معرفة كيفية تفكير الأجيال الجديدة، وكيفية تحرك حساسيتها الشعرية وهمومها وقلقها الشعري، لأن هذا ينبهني فقد يدخل الشاعر بالشيخوخة، دون أن يشعر فمتابعتي للشباب تعطيني فكرة عن المناخ والذوق الشعري الجديد.
لماذا لم تقبل منصب وزير الثقافة الفلسطيني ؟
أنا لا أصلح للسلطة، فأرفض أن أتقيد في أمور روتينية وبيروقراطية، بالإضافة إلى اعتراضي الكامل على اتفاقية "أوسلوا" مما لا يتفق مع طبيعة المنصب.
هل ما زلت أعزب؟
أنا طول عمري أعزب