كانت الدراما حتى وقت قريب إحدى أدوات القوة الناعمة للدولة المصرية، واكتسبت الأعمال الدرامية من أفلام سينمائية ومسرحيات ومسلسلات تليفزيونية شهرة واسعة فى المحيط العربى، وأصبحت اللهجة المصرية العامية هى الأكثر قبولاً لدى الشعوب العربية وتحظى بتأثير عقلانى ووجدانى كبير، وخلال السنوات العشر الماضية تخلت الدولة عن دورها الرائد فى إنتاج الأعمال الدرامية المتميزة والاستعانة بكبار الكتاب والمخرجين فى نشر الثقافة الرفيعة والارتقاء بمستوى الذوق العام، وتزويد المشاهدين بالفكر الراقى، وبث القيم الإيجابية التى تعبر عن الثقافة العربية عموماً، وترقى بمستوى الوعى السياسى والاجتماعى والدينى فى بيئة تتراجع فيها معدلات القراءة وثقافة المطبوع ذات التأثير التراكمى لصالح ثقافة الصورة ذات التأثير الوقتى.وللأسف جاءت معظم الأعمال التليفزيونية الدرامية لهذا العام دون المستوى المتوقع وخيبت آمال الجماهير العريضة فى الحصول على جرعة فكرية وفنية عالية، فالكثير من الأعمال الدرامية استهدفت مخاطبة الغرائز وإشاعة الفوضى والترويج للفحش والانحلال باستخدام عشرات المشاهد ذات الإيحاءات الجنسية والألفاظ السوقية المبتذلة، فضلاً عن مشاهد العرى وتعاطى الخمور والمخدرات بكل أشكالها، وظهرت المرأة المصرية بالرغم من كفاحها المشهود وعطائها الدائم كسلعة رخيصة للجنس والدعارة، وبدت كتابعة مسلوبة الإرادة لغطرسة الرجل ووعاء لشهواته الحسية، وظهرت صورة الأم التى تعمل بالدعارة والقوادة لبناتها، والأب الذى يبيع ابنته للثرى العربى نظير حفنة جنيهات، وبدت مصر بكل قيمتها وحضارتها كساحة للبلطجة والقوادة والمخدرات والعهر والرشاوى والمطاوى والإسفاف فى القول والدناءة فى الفعل. وقد كشف تخلى الدولة عن دورها الحقيقى فى بناء الإنسان فكرياً ومعرفياً ووجدانياً عن تفشى سينما المقاولات التى انتقلت عدواها الرذيلة إلى الدراما التليفزيونية، واتسمت الدراما التليفزيونية فى الآونة الأخيرة بطرح موضوعات شديدة الجرأة مخترقة كل المعايير، لبث كل ما هو فاسد وسلبى على غرار سينما المقاولات الهابطة، ولم تكن الجرأة فى اختيار الموضوعات فقط، وإنما امتدت إلى أسلوب التناول حيث انتشرت التلميحات الفجة والإيحاءات الجنسية والعرى الفاضح، وتم بث الكثير من الألفاظ والعبارات التى يعف اللسان عن ذكرها والتى تقتحم البيوت دون حياء! هل يتصور أحد أن يتم إنفاق ما يزيد على مليار جنيه لإنتاج أعمال درامية يخلو معظمها من أية قيمة فنية أو اجتماعية فى مجتمع قام بثورتين عظيمتين فى زمن قياسى، ويرنو إلى التخلص من أعباء الماضى ويتطلع إلى مستقبل زاهر فى ظل قيادة حكيمة وواعية؟ وهل من المعقول أن تستدعى المواطنة المصرية البسيطة والضريرة الحاجة زينب ضميرها الوطنى وتتبرع بكل ما تملكه وهو قرطها الذهبى من أجل إقالة مصر من عثرتها ومساندة وضعها الاقتصادى المتردى، فى حين تطالعنا الصحف بالأرقام الفلكية التى يحصل عليها كبار النجوم لإنتاج أعمال هزيلة ورديئة، ومنها على سبيل المثال ما يتقاضاه النجم الكبير عادل إمام ٣٠ مليوناً، و٢٠ مليوناً لتامر حسنى، و١٥ مليوناً لكل من يحيى الفخرانى وغادة عبدالرازق، و١٤ مليوناً لمحمد سعد، وعشرة ملايين لكل من هند صبرى وعمرو سعد، وتسعة ملايين لأحمد عز، ولم نسمع عن أحد منهم تبرع بجنيه واحد لصالح مصر، وبعد كل ذلك يأتى المنتج الدرامى رخيصاً وفجاً ومبتذلاً؟! وللحديث بقية