انظر حولك: سوريا والعراق وليبيا وغزة، ولا أحد يعرف إن كانت هناك فصول أخرى لمؤامرة «الربيع العربى» أم أن مصر هى الطبق الرئيسى وكل ما دونها مشهيات!
انظر حولك واسجد لله.. لأن مصر أفلتت من هذا المصير المؤلم، ولأنك ما زلت واقفاً على قدميك: تأكل وتشرب، وتنام قريراً، وتمشى فى الشوارع آمناً، وتجلس مع أصدقائك و«مُززك» براحتك، وتفتح «زراير» قميصك لتأخذ أحباءك فى حضنك، وتقضى إجازتك مع أسرتك وأنت تدلدل قدماً فى البحر وأخرى فى أحشاء الغلابة! انظر حولك واسجد لله.. لأن لديك من «الدولة» -على الأقل- «ماكيت» و«وصفة» لاستعادتها، ولديك جيش وطنى حر، متماسك، رغم أنه يخوض حرباً طاحنة على ثلاث جبهات، ويواجه عدواً أقذر وأبغض وأشد خطراً على مصر والمصريين من عدوك التقليدى «إسرائيل»، بكل غلها وأكاذيبها وترسانة سلاحها!. انظر حولك واسجد لله.. لأن كل ما ينغص عليك «عيشتك» المترفة بعد سنة واحدة من سقوط حكم الخائن وجماعته الإرهابية.. بضع قنابل بدائية الصنع، ومسيرة من عشرة أشخاص فى شارع جانبى فى المرج أو عين شمس أو يمين فيصل، و«كلام جرايد» عن تهديدات باحتلال ميادين وأعمال تخريب و«ثورة ثالثة»!. انظر حولك واسجد لله واشكره على «معجزة 30 يونيو»، ولا تخجل أو تستكثر أن تقول إنها هى التى أنقذت مصر والمنطقة من هذه المؤامرة، وإنها لا تقل أهمية عن ثورة 23 يوليو 1952.. إذ ليس أسوأ من سبعين عاماً من الاحتلال البريطانى سوى سنة واحدة من احتلال عصابة الإخوان!. انظر حولك.. وتذكر أن ما من «منقذ» -حين يشتد البلاء وتصبح الدنيا فى عينيك أضيق من ثقب إبرة- سوى جيش مصر: بضباطه وجنوده، بطائراته ودباباته، بعقيدته القتالية الصلبة وروحه الموصولة بالعرش، بسلوكه المهذب، المنضبط، واستهانته بالموت فى سبيل الواجب، بمهندسيه وأطبائه، بكباريه وطرقه، بمخابزه وأوتوبيساته، بانحيازه المطلق لشعبه وانحناء قامته أمام كهل يلوح بالعلم أو عجوز طاعنة قد تموت قبل أن تكمل دعاءها!.
انظر حولك.. وتذكر أن وجود «الدولة» أهم وأنفع من أن تكون مدنية أو عسكرية أو مهلبية، وأن السياسة أكلتك لحماً ورمتك عظماً، وأن «العدالة» ماتت بموت «عمر»، وأن «النخبة» تريدك كما أنت: فقيراً وجاهلاً ومهاناً ومغيباً، لأن هذه بضاعتها و«أكل بقلاوتها»!. انظر حولك.. وتذكر أنك مهما ثُرت وانتفضت و«جعرت» وملأت الشوارع والميادين.. فلن تحقق لنفسك أو لبلدك شيئاً إلا إذا كان الجيش أمامك وفى ظهرك!. انظر حولك.. ثم تأمل أحوال بلدك: مصر تُدفَع الآن دفعاً إلى نفق مظلم، خانق، ولا شىء فيها أو حولها يدعو إلى التفاؤل سوى أن رئيسها ينتمى -حتى من دون بدلته العسكرية- إلى الجيش، وكذبنى إذا لم يكن عبدالفتاح السيسى هو الضوء الوحيد الذى فى آخر النفق. هو ليس عبقرياً ولا ساحراً ولا نبياً مبشراً.. إنما كل ما دونه ارتباك و«عك» وضغائن و«نفسنة» ومسئولون فاشلون ونفوس محبطة وإعلام جاهل، منافق، ورجال أعمال جبناء، أنانيون، وخبراء عصاميون فى جهلهم، وأفكار تتصادم بلا طحين!. كذبنى، وقل لى أمارة واحدة على أن هناك من يريد أن يمد يده للرجل ليشاركه فى العبء، رغم أننا ندرك من البداية أن حمله ثقيل، وأنه ورث «خرابة» وليس منتجعاً فى سويسرا، وأن هناك ملفات على مكتبه.. تحتاج دراستها والبدء فى تنفيذها إلى فترة رئاسية كاملة.
«لوحدى ما أقدرش»: هذا هو الشعار الذى رفعه «السيسى» منذ قرر أن يرشح نفسه لرئاسة مصر.. هذا هو شرطه الوحيد. لكنه ما إن جلس على مقعد الحكم حتى تراجع المهللون وانكفأوا على مصالحهم الشخصية: «اذهب أنت وربك فقاتلا»، فاضطر الرجل أن يستخدم صلاحياته، وأن يخوض معاركه بنفسه.. رغم إدراكه أن شعبيته الجارفة ستكون على المحك. وفى كل معارك «السيسى»: من أخطبوط الإرهاب إلى سعر السولار، مروراً بأنانية وتخاذل ونتانة معظم رجال الأعمال، ومناورات رجال السياسة، وانحياز الغرب وعدوانيته، ومحاولات توريط الجيش فى فخاخ إقليمية.. يواجه «السيسى» حالة من التربص.. أشعر أحياناً أن وراءها -أو هى فى جوهرها- رهان على فشله!
أنا لا أفهم فى تعقيدات الحكم ومواءماته، ولا أعرف إن كانت هناك وصفة مثالية لـ«الرئيس الناجح».. أم أن النجاح والفشل تحكمهما ظروف موضوعية. لكننى أفهم وأعرف -وبشهادة هؤلاء المتربصين أنفسهم- أن ما من رجل يصلح لحكم هذا البلد، فى هذا الظرف الحرج، سوى عبدالفتاح السيسى (تخيل مثلاً أن يكون رئيسك والعياذ بالله حمدين صباحى أو عمرو موسى أو خالد على.. أو بعد الشر محمد البرادعى!)، لذا أصدقه، وأنحاز إلى كل قراراته، حتى إذا بدت فى ظاهرها متعسفة أو متسرعة أو ينقصها بعض الدقة. فكفاءة الحاكم يمكن اكتسابها بالتجربة والخطأ (نموذج عبدالناصر)، أما حسه الوطنى فلا بد أن يكون متوارثاً وأصيلاً. ومنذ اندلاع ثورة 30 يونيو، وصولاً إلى اختيار «السيسى» رئيساً لمصر، وأنا أقف صلباً، معانداً، أمام كل أولئك الذين يراهنون على فشله، ويتصيدون له الأخطاء، ويسخرون حتى من مبادراته الفردية البسيطة!. ولأننى لا أخجل من القول إننى «فاشى» فى حب هذا الرجل -تقديراً لشخصه، وللمؤسسة التى ينتمى إليها- فإن بعض زملاء المهنة، يتعمد انتقاده والسخرية منه أمامى: من باب الكيد حيناً وعلى سبيل المزاح أحياناً.
أنا أفهم أن يراهن الإخوان وحلفاؤهم فى الخارج والداخل على فشل «السيسى»، وأن يسعوا إلى إسقاطه هو ودولته التى يحلم بها، بل وتصفيته جسدياً إذا واتتهم الفرصة، لكننى لا أفهم أن يتحلق بعض الإعلاميين والكتاب حول مائدته، ثم ما أن يديروا ظهورهم حتى يغمزوا ويلمزوا: هأو.. ركب عجلة!.. هأو.. خد بوكيه ورد وزار ضحية تحرش «التحرير»!. هأو.. اتبرع بنص مرتبه!. هأو.. جهاز الفيروس طلع كفتة!. هأو.. هيصحينا خمسة الصبح!. هأو.. بيقول لأهالى الشهدا «ياريتنى كنت أنا»!.
المهذب فيهم ينفخ شدقيه قائلاً: «مش كان أحسن يفضل وزير دفاع!.. يعنى كان ماله عدلى منصور ولّا عمرو موسى!»، وفى الأخير: «مش انتخبتوه.. البسوه»!. وبين هذه وتلك.. يرفضه أحدهم من باب «خالف تعرف»، ويرفضه آخر كرهاً فى الجيش وخوفاً من «عسكرة الحكم»، وثالث يخبئ موقفه المائع فى أكذوبة الحياد المهنى، ورابع يصر على أنه سيصبح «طاغية».
هؤلاء المتربصون لا يقلون مكراً وانتهازية عن عصابة الإخوان، وهم الوجه الآخر -والأكثر قبحاً- لهم. ولا أظن أننى أبالغ أو أغالط إذا قلت إنهم لا يستحقون رئيساً مثل «السيسى»، وأنهم جاحدون، سيئو النية، لأنهم يتعامون عن فضل هذا الرجل والمؤسسة التى ينتمى إليها فى إنقاذ رقابهم من مقصلة خيرت الشاطر ومرشده وميليشياته، والإبقاء على نجوميتهم ومكتسباتهم المادية وأجورهم التى تصل أحياناً إلى عشرة ملايين جنيه سنوياً. هؤلاء المترفون، الآكلون على كل الموائد، سيكونون شوكة فى ظهر «السيسى».. لا فرق بين متربص ومنافق، فكلاهما يبحث عن مصالحه الصغيرة، ولتذهب مصر -بفقرائها وبائسيها- إلى الجحيم، وكلاهما يريده فى الحقيقة طاغية وراعياً للفساد، ومن ثم فكلاهما يستحق الحرق بجاز وسخ.. وعلى شرفاء الإعلام أن يراجعوا أنفسهم.