بعد الانتهاء من صلاة العيد بمسجد «النصر الكبير» بالمنصورة والتى شهدها اللواء عمر الشوادفى، محافظ الدقهلية، حضر رجل بسيط يوزع الحلوى على الأطفال والكبار وقبل أن ينصرف المحافظ أعطى له الحلوى، فرد المحافظ: «أنتم أطيب خلق الله يا مصريين»، فقال الرجل للمحافظ: «إحنا خدامينك، خدامينك، وعينك علينا، إحنا بناكل الخضار بالمجارى». فألقى المحافظ الحلوى فى وجه الرجل وقال: «مش مقبولة منك، علشان إنت فى بيت ربنا وبتبوظ الفرحة، والمسلم لا تخرج منه إلا الكلمة الطيبة، وإنت بتفرَّح الكلاب الشمتانين فينا».. هذه القصة نشرها موقع الوطن، وإذا صحت، فإننا أمام مشكلة حقيقية تحتاج من السلطة الحالية إلى مراجعة.
المواطن المصرى الذى يعانى الكثير من المشكلات لا يفوِّت فرصة يلتقى فيها بأحد المسئولين، إلا ويقدم له شكواه، لأن المواطن لا يستطيع أن يصل إلى المسئول بسهولة. وقد انتهز هذا المواطن البسيط فرصة لقائه بمحافظ الدقهلية، ورجاه حل مشكلة الصرف الصحى فى المنطقة التى يعيش فيها، التى يأكل سكانها الخضار بالمجارى. لم يكن من الكياسة أن يتعامل اللواء المحافظ مع الموقف بهذه الطريقة. فدوره هو الاستماع إلى المواطنين وحل مشكلاتهم. ذلك ما أدركه المواطن ولم يدركه المحافظ. فالمواطن يرى أن حل مشكلاته يكمن فى قرار يتخذه هذا الرجل، فما كان من الرجل إلا أن ترك المشكلة وأخذ يتحدث فى موضوع آخر يتعلق بـ«الكلاب الشمتانين»، وكيف أن المواطن الذى يعلو صوته بالشكوى يقدم خدمة جليلة لهؤلاء.
من حق المحافظ بالطبع أن يصف خصومه السياسيين بما يشاء من ألفاظ، لكن فى كل الحالات أجد أن «الاحتياط واجب» وعلى المسئول أن يتعفف فى لغته بغض النظر عن حدة الخصومة بينه وبين غيره. والمواطن البسيط لا يفهم فى الخصومات السياسية، فكل ما يعرفه هو المشكلات المعيشية التى يواجهها ويريد أن يجد لها حلاً. قد يرى المواطن فى الإخوان جماعة تريد أن تعرقل السلطة الحالية عن إصلاح أحواله، لكنه لا يفهم على الإطلاق فى أمور الصراع على السلطة، ولا يستوعب مسألة الشماتة أو التربص بين أطراف الصراع. وقد ثار هذا المواطن على الإخوان عندما أحس بأن نظام حكمهم غير جاد وغير قادر على حل مشكلاتهم، ووضع أمله فى السلطة الحالية التى قدمت نفسها له كبديل قادر على الإصلاح. وهو لا يكترث بعد ذلك بمن يشمت أو يفرح فى عجز خصمه عن حل ما فشل فى حله، فكل ما يهمه هو حل المشكلة ذاتها.
على كل مسئول فى السلطة الحالية أن يستوعب أن التمحك بالإخوان قد ينفع بعض الوقت، لكنه لن يفيد كل الوقت. ولو استوعب أى مسئول من هؤلاء الأمور على حقيقتها لفهم أن الحل الوحيد لمواجهة الإخوان هو الإصلاح، وحل مشاكل الناس، وليس إرعاب البسطاء أو استدعاء فكرة «خدمة الخصم السياسى» فى مواجهة أوجاعهم ومعاناتهم. المواطنون العاديون لا يفرقون بين أنظمة الحكم، بناء على أفكار وأيديولوجيات كل نظام، بل تأسيساً على قدرتها على الإصلاح.. فى الإصلاح «السلامة» وفى الطناش عن حل مشاكل الناس «الندامة»!.