قبل سنوات ومع انتشار هوجة «انت معندكش حساب على تويتر» تسرّعت بفتح حسابى، لم أكن أعلم مستوى ما أسعى إليه، لم أتخيل يوماً ما أن أجد كل هذا الكم من القاذورات مجتمعاً فى مكان واحد، بالطبع ليس عيباً على «تويتر» قدر ما هو سُبة فى حق أغلب مستخدميه أن تكون لغة الحوار بينهم تلك التى تبدأ بسيرة الأم، وتنتهى بشتيمة الأعضاء.
كنت أتابع وصلات الردح بين من أطلقوا على أنفسهم نشطاء تويتر، أستاء حين أقرأ شتيمة تعلمت فى صغرى أن من يرددها «مش متربى» وأحزن حزناً لا نهاية له حين أرى أصدقاء انساقوا وراء الهوجة، وأصبحت شتيمة الأعضاء بالنسبة إليهم فخراً، وولاد «.. .. .. » وولاد «.. .. .. .. .. » معياراً للرجولة والاتساق مع الواقع.
لا بأس إذن، إنه التغيير الذى نتحدث عنه، أو هكذا يبدو عند البعض، أن يشتم أو يسب بحق ودون، بوعى أو دون لما يقال وما لا يقال، يخوض فى أعراض وقذف للمحصنات بأشياء أعابها المجتمع المحافظ حتى قبل أن يحرمها الدين، ورغم ذلك لا ينتبه أحدهم لا للمجتمع ولا للدين، فى سبيل إرضاء شهوة «التويتة».
لذا أكررها ثانية، لا أعيب تويتر، هو وسيط كغيره، قدر ما أعيب أغلب مستخدميه، ممن فرّغوا مواقع التواصل الاجتماعى من محتواها الأصلى، ممن حولوها إلى مواقع إخبارية، ممن اعتبروها واجهة اجتماعية لهم، يرتدون أقنعة قبل الجلوس إليها، ويخلعونها فى تعاملاتهم العادية، ولنا جميعاً أدلة على هذا، فلكل منا دهشة تصيبه حين يقرأ تعليقاً أو تغريدة لشخص بعينه، لا يصدق أنه كاتبها، لا لشىء سوى أنه يعرفه، ويعرف أنها ليست آراءه ولا قناعته، ويدرك أنها مجرد وجه يستهدف منه أغراضاً أخرى.
وقدر ما أضحكنى إفيه «أمك حامل يا كبير» فى مسلسل «الكبير قوى» بقدر ما أحزننى التجاوز فى حق المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء.. شعرت بوجع، بغصة، بحالة من القرف وأنا أتابع تعليقات زملاء مهنة يفترض فيهم الثقافة والأدب، وشباب عاديين سخروا من الدوار الذى أصاب محلب أثناء أداء صلاة الجمعة، ووجهوا سخريتهم فى إطار جنسى بحت، بعضهم أساء للرجل وخاض فى عرضه، والثانى أطلق «هاشتاج» مسيئاً يصفه بأنه حامل، والباقى أساء لنفسه بأن أطلق الضحكات على إفيه سخيف لا يُضحك أحداً، دون اعتبار سن الرجل ولا مقامه ولا كون ما حدث له قد يحدث لوالدك أو والدتك دون أن يقال لك «أمك حامل يا كبير».
يفعلون هذا بدعوى من حرية التعبير، بدعوى من التحرر والتغيير، بدعوى النقد وخفة الدم، ولا أجد فى كل ما يدعونه سبباً قيماً لتحويل كل شىء فى حياتنا إلى مجرد «نكتة سخيفة» أو «إفيه بايت» يدل على ضحالة وتخلف وفقر ذهنى، ولا يقود إلى أن صاحبه لديه خفة ظل أو حضور كوميدى، قدر ما يدل على أن أغلبهم يفتقد رجولة الخصومة، يقتاتون على رجل فى مرضه، ويتركون حكومته وسياساته دون انتقاد، يمارسون السخرية لمجرد السخرية، ولا يعيرون انتباهاً لمن تجرحهم هذه السخرية أو لآثارها، التى حولتهم شيئاً فشيئاً إلى جيل بلا مشاعر متحجر ومتبلد، ينتظر معجزة تعيده إلى خفة الظل وليس ثقل الدم.