"الأجرة زادت ليه؟".. سؤال يجيب عنه سائقو "المظلات": "البنزين والكارتة واللي بيحصل"
"راكب يبحث عن توصيلة على قد الإيد"، حال أغلب المصريين من البسطاء ومحدودي الدخل، تدفعه قدماه إلى موقف الميكروباص، ووسط سيارات قديمة متهالكة، "عفا عليها الزمن"، يناديه سائق الخط، الذي أصابه الدور في التحميل: "مظلات"، وقبل أن تطأ قدماه عتبة السيارة، يسمع صوتا مكروه لأذنه: "الأجرة زادت".. الكلمة التي أصبحت متداولة مع كل أزمة بنزين خلال السنوات الماضية، فيسرع السائق ويزيد تعريفة الركوب، وسط غياب تام لرقيب يسأله عن السبب، أو مسؤول لديه علم بما يحدث، فالتسعيرة يقرها السائق، ولا أحد يعلم أسبابه، والضحية "المواطن" الذي يضع يده على قلبه كلما يسمع عن أزمة في الوقود.[FirstQuote]
"لماذا ترتفع تعريفة الأجرة مع كل أزمة بنزين دون إقرار الزيادة بشكل رسمي؟ ومن المسؤول عن وضع التعريفة الجديدة للركوب؟ وهل هناك رقابة على مواقف السيارات؟ وهل يعاني السائق من الظلم؟ وما هي تعريفة الركوب الجديدة؟ وكيف تم إقرارها؟".. أسئلة كثيرة تدور في أذهان المواطن، ولا يجد من يكشف عن إجاباتها.
"الوطن" وجهت كل هذه الأسئلة لسائقي موقف الأجرة بمنطقة "المظلات"، وكانت الإجابة العامة هي: "قبل ما تسألونا عن زيادة الأجرة اعرفوا حالنا الأول"، وبين طيات أحاديثهم، تكون حل لغز السؤال: "الزيادة بتروح لجيب مين؟".
بملامح أرهقتها الصيام، وبوجه يدل على ضيق الحال، يقف الرجل الخمسيني "عم فراج"، وسط موقف السرفيس بالمظلات، يبدأ حكايته بالقول: "إحنا زهقنا من اللي بيحصل في البلد وزيادة الأسعار بالطريقة دي.. مبارك قعد 30 سنة يسرق في مصر ومرسي في سنة واحدة بهدل البلد.. أما السيسي فأول قرار له كان للأسف رفع الأسعار، بعد أقل من شهر على حكمه".
يؤكد "عم فراج"، الذي يعمل سائقا على سيارة سيرفيس بموقف المظلات بالقاهرة، أنه انتخب الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه، أن قرار زيادة سعر الوقود يؤدي إلى خنق محدود الدخل.[SecondQuote]
يدافع "عم فراج" عن سبب رفع تعريفة الأجرة قبل زيادة أسعار الوقود التي قررتها حكومة المهندس إبراهيم محلب فيقول: "السواق بياخد ربع الإيراد بتاع العربية.. يعني لو عمل 150 جنيه في اليوم بياخد أقل من خمسين جنيه، والمفروض إنه ياكل ويشرب ويعلم أولاده بيهم.. طب إزاي"، ويضيف: "الموظف مرتبه بيزيد، ولو حصلتله حاجة أو تعب بياخد معاش وتعويض، لكن احنا لو تعبنا بنقعد في البيت ومش هنلاقي ناكل، كان من الطبيعي إن سعر الأجرة يرتفع مع زيادة الأسعار بالشكل اللي حصل في مصر من بعد الثورة".
يعاتب "عم فراج" الرئيس عبدالفتاح السيسي، على قراره الأخير برفع أسعار الوقود، قائلا: "الحكومة والرئيس وعدونا إنهم مش هييجوا جنب محدود الدخل، ومع ذلك خدوا القرار ده، وهو ضد محدود الدخل اللي بيقولوا إنهم بيدافعوا عنه".
يقاطعه في الحديث "عم ربيع"، أحد زملائه في نفس الموقف: "قرار رفع الأسعار اتنفذ في وقت غلط، لأن المواطن بيعاني من مصاريف رمضان وارتفاع السلع التموينية في الشهر الكريم، بالإضافة إلى قرب العيد، وما يترتب عليه من مصاريف وبعد كدة المدارس هتيجي وهتحتاج مصاريف برده، وأكيد القرار ده هيرفع أسعار كل السلع والبضائع"، متابعا حديثه: "أنا برده لما بجرج العربية بعد ورديتي بركب مواصلات، وبدفع نفس الزيادة، فأنا في الأول والآخر مواطن".[SecondImage]
ويتحدث "عم ربيع" عن رفع سعر الأجرة بعد قيام ثورة 25 يناير، فيؤكد أن "الأجرة ارتفعت مرة واحدة في عهد محمد مرسي، عندما حدثت أزمة الوقود المعروفة، وكان البنزين غير متوفر في محطات الوقود، وكنا نقف بالساعات على محطات الوقود، وأحيانا نضطر إلى دفع رشوة لعامل المحطة ليقوم بإعطائنا ما نحتاجه من الوقود، وكثيرا ما كنا نلجأ إلى شراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مرتفعة جدا"، ويضيف: "الأجرة ارتفعت من 75 قرشا إلى جنيه، على خط إمبابة - المظلات، وبعد انتهاء الأزمة لم تعد الأجرة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، حتى ارتفعت أسعار الوقود هذه المرة، وقررت الحكومة أن ترفع الأجرة ربع جنيه لتصبح جنيه وربع، وهو ارتفاع غير كاي بعد غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف صيانة السيارة".
"عم محمد"، سائق آخر في نفس الموقف، يبدأ حديثه قائلا: "رفع الأجرة يكون أساسها الدولة مش السواق، لكن لما تغيب الدولة ويرفع السواق الأجرة من دماغه يبقى اللوم مش على السواق، اللوم يكون على الدولة اللي سمحت للسواقين عديمي الضمير برفع الأجرة بطريقة استغلالية، الدنيا كانت بعد الثورة سداح مداح"، متابعا حديثه: "الكل طمعان في السواق، والأجرة لما ترتفع بتروح لجيب ناس تانية، يعني لو العربية حصل لها حاجة المكانيكي، بياخد زيادة، ويعمل الحاجة أم جنيه بـ2 جنيه، ويقولي مش الأجرة زادت، كله بيستغل كله".
أزمة أخرى، تحيط بالسائقين، كشف عنها "عم محمد"، بقوله: "من حق السواق رفع الأجرة على الزباين في ظل ارتفاع الأسعار، وعدم توفر الوقود في الوقت اللي غابت فيه الدولة بعد الثورة".. ويرى أن "أزمات الوقود هي من تضطر السائق إلى رفع الأجرة، فهناك (الكارتة)، اللي بتتحصل من السواق، وبترتفع قيمتها كل فترة، دون معرفة السبب.. الموقف بيقوده مجموعة من البلطجية، الحكومة عينتهم علشان يذلوا السواقين"، ويضيف: "كمان في مصارف تجديد الرخصة، بندفع مبلغ كل ثلاثة شهور لتجديد رخصة خط السير للسيارة والسواق، وبرغم كده مفيش صيانة للمواقف أو طرق السير، بالشكل اللي يقلل أعطال العربيةة، إحنا عايزين نعرف الفلوس اللي بندفعها للكارتة وللحكومة دي بتروح فين".
يتدخل عبدالعظيم، الرجل الأربعيني صاحب "سرفيس"، فيقول: "زيادة الأسعار اللي بتعاني منها البلد دي أكتر واحد بيتضرر منها هو السواق، لأن الموظف مرتبه بيزيد مع زيادة الأسعار، لكن احنا محدش بيزودلنا حاجة، عشان كده اضطرينا لرفع أسعار الأجرة على الناس بعد الثورة عشان نعرف نعيش ونأكل أولادنا زي ما كل الناس عايشة".[ThirdQuote]
عبدالعظيم، يرى أن نزول سيارات تابعة للجيش في محافظة الجيزة، لتنقل الناس بأجرة موحدة "جنيه واحد"، هو قرار ترتب عليه "قطع عيش" الكثير من السائقين على هذه الخطوط، فيرى أن الدولة تتعمد محاربته وعدم إعطائه حقه كما ينبغي، وتنصف المواطن أو "الراكب" على حسابه، مؤكدا أنه حتى هذه اللحظة لم يتم تعليق منشور رسمي في الموقف بالأسعار الجديدة، وأنه عرف الزيادة في تعريفة الأجرة من الإعلام، وبناء عليه التزم بها هو وكل السائقين في الموقف "على حد قوله"، موضحا أن الحكومة تتعمد الاستخفاف بعقل المواطن لأنها تعلم جيدا أن هذه الزيادة في الأجرة لا تكفي السائق، وعاجلا أم آجلا سيتم رفعها.
"عايزين نعيش في أمان والبلد تستقر".. بهذه الجملة يبدأ جلال، سائق سيارة في الموقف، حديثه لـ"الوطن"، ويضيف: "الاضرابات في المصانع وقفت حال البلد، واحنا مهما حصل لايمكن نعمل إضراب ونوقف حال البلد، ولو راكب قالي الأجرة غالية وأنا مش قادر أدفعها بقول له مش مهم مسامحك فيها ومش لازم تدفع خالص".
يرى جلال أن المرحلة التي تلت الثورة، حتى عهد المعزول محمد مرسي، هي التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار الاقتصاد المصري بهذه الصورة، موضحا أن الوضع قبل الثورة كان أفضل بكثير، ويضيف: "صفيحة الجاز قبل الثورة كانت بـ8 جنيه، ودلوقت بـ36، وعامل البنزينة بياخد أربعة جنيه من السواق لتصبح الصفيحة فعليا بـ40 جنيه"، مضيفا "لازم نقف جنب البلد ونتحمل مع بعض كلنا الغني والفقير، لكن اللي بيحصل إن الفقير بيناله الضرر من قرارت رفع الأسعار، والغني مبيتأثرش ولا بتجبره الدولة على تحمل مسؤولياته ناحيتها".
الاخبار المتعلقة:
"الوطن" داخل "قِبلة المغتربين".. "ركاب عبود" بين ناري "الحر والأجرة"
مدير النقل الجماعي بالجيزة لـ"الوطن": السائقون رفعوا الأجرة بعد ثورة يناير "بمزاجهم"
مدير موقف عبود لـ"الوطن": المواطن يضيّع حقه بمخالفة التعريفة الجديدة لإرضاء السائق
"الوطن" ترصد مخالفات السائقين للتعريفة الجديدة
بالتواريخ| 3 سنوات من غياب الدولة.. زيادة تعريفة الركوب مع كل أزمة وقود
"الوطن" ترصد مافيا "الميكروباص" ومحاولة الحكومة استعادة هيبتها