كنت أنتوى أن أخصص مقالات رمضان لسرد تاريخ الصراع السنى الشيعى، ولكن الأستاذ الدكتور «محمود خليل» سبقنى إلى ذلك، ومنعاً للتكرار والمنافسة -التى لا أقوى عليها- قررت أن أنقل إليكم بعضاً من فصول كتابى الأول «التاريخ الدموى»، وأحدثكم كل أسبوع باختصار عن إحدى الفرق التى أُسِّست فى الأصل على المذهب الشيعى ثم انحرفت عنه، وأدخلت عليه ما يبعدها عن رِبقة الإسلام.
اليوم أحدثكم عن فرقة القرامطة، التى تعد أول حركة اشتراكية فى التاريخ الإسلامى، وقد أسست هذه الحركة على المذهب الشيعى الإسماعيلى على يد مؤسسها الشيخ «حسين الأهوازى» ومساعديه المسمين بالثالوث المقدس «حمدان بن الأشعث»، و«زكرويه بن مهرويه» و«أبوسعيد الجنابى»، وكتبوا معاً ميثاقاً عُرف باسم «ميثاق الألفة والمحبة»، كان بمثابة الدستور الذى قامت عليه دولة القرامطة، وهو يتشابه فى بنوده إلى حد كبير مع البيان الشيوعى. واستطاعت الدعوة بفضل أفكارها الاشتراكية أن تجد رواجاً كبيراً بين الفقراء والمقهورين والمضطهدين، كما استطاعت أن تبسط نفوذها فى أنحاء العالم الإسلامى وتمتد إلى المغرب، مشكِّلة النواة الأساسية لما سوف يعرف فيما بعد بدولة الفاطميين. ولكن الدعوة بدأت بالتفكك بعد وفاة الشيخ الأهوازى، فقتل زعيما الحركة «الجنابى» و«زكرويه» الركن المكمل للثالوث «حمدان بن الأشعث»، وضربوا بقواعد الدعوة عرض الحائط وانخرطوا فى تنفيذ مخططاتهم العسكرية. ثم انحرف الجيل الثانى والثالث من زعماء الحركة انحرافاً شديداً عن المذهب الإسماعيلى الذى تبنته الحركة فى مبدأ أمرها، وأدخلوا عليه ما يبعدهم عن رِبقة الإسلام؛ فقد رفعوا التكاليف وادعوا نبوة إمامهم محمد بن إسماعيل، وتمادوا فأبطلوا العبادات وأركان الإسلام، وكانت لزعيمهم «أبى طاهر الجنابى» جرائم مروعة، أشهرها مهاجمة مكة بجيوشه سنة 316هـ، والفتك بأكثر من ثلاثين ألفاً من الحجاج، ودفن بعضهم فى بئر زمزم والبعض الآخر فى المسجد الحرام بلا غسل أو كفن، وقيل إنه كان يجلس أمام الكعبة بينما تتطاير الرقاب من حوله منشداً:
أنا بالله وبالله أنا.. يخلق الخلق وأفنيهم أنا
ثم هدم قبة زمزم، واقتلع باب الكعبة، والحجر الأسود الذى ظل 22 عاماً فى عاصمتهم هَجَر!
ولكن الأمور لم تستقر للقرامطة طويلاً، فقد استغل العباسيون التعصب الطائفى فى القضاء عليهم بمعاونة الفقهاء ورجال الدين، وانتصروا عليهم فى معركة الخندق عام 470هـ، فاختفت بعدها دولة القرامطة من على خريطة العالم تماماً ولم تعد إليها أبداً.