هؤلاء على وشك ألا يقترب منهم أحد.. أو يحشر أنفه فى حياتهم وخصوصياتهم ليعرف كل كبيرة وصغيرة عنهم.. كل معلومة تخصهم.. صحيحة كانت أو كاذبة.. هم على وشك حرمان هذا الفضول الذى يطلق عليه البعض «الحق فى المعرفة» ويطلق الآخر «حرية الرأى والحق فى التعبير»!!
«الحق أن تنسانى والحق أن أنساك!! الحق أن تنسى ما كتبته.. ما قلته ودونته.. الحق ألا تشاهد صورى وتتعرف على أصدقائى وأحبائى.. الحق ألا تقتحم ما كان ربما تاريخاً فى حياتى وأصبح الآن سراباً لا وجود له!!.. الحق أن أمنعك من أن تقرأ وتطلع على ما دُوّن عنى كذباً أو افتراءً!!
.. الحق ألا تهدد لغة هذا العصر الجديد وهذه العلاقة اللاتزامنية التى خلقها الإنترنت هويتى الآن»!!
ملخص يوضح مطلب اشترك فيه مئات الآلاف الذين يرغبون فى أن يكون لهم الحق فى شطب بيانات خاصة بهم قاموا بنشرها وتدوينها على مواقعهم على شبكة الإنترنت فى فترة ما فى حياتهم أو معلومات دُوّنت عنهم من قبل مصادر وأشخاص آخرين.
موضوع ساخن وصراع يدور فى أوساط لغة عالم وعصر جديد وبالتحديد بين شركة جوجل والاتحاد الأوروبى وذلك بعد أن قضت المحكمة العليا بقرار سمته «الحق فى النسيان» بمعنى أن يتم شطب أى بيانات يرغب صاحبها فى محوها من على أى رابط على شبكة الإنترنت، وذلك بعد أن يملأ استمارة يتقدم بها إلى «جوجل» والتى بدأت بالفعل فى فحص وحذف كل البيانات الخاصة التى تقدم بها أكثر من 70 ألف شخص مطالبين بنسيانهم، مشيرة إلى أنها تقوم بهذا الإجراء واضعة فى الاعتبار التوازن بين حقوق الخصوصية الخاصة بالأفراد مع الحق والمصلحة العامة فى المعرفة ونشر المعلومات خاصة فيما يتعلق بالاحتيال المالى، وسوء الممارسة المهنية والإدانات الجنائية أو السلوك العام، موضحة أن النتائج المتضررة من عملية الإزالة، سيجرى وضع علامة عليها تظهر للباحثين عنها، كما سيجرى الإشراف على الخلافات حول ما إذا كان يجب إزالة المعلومات أم لا من قبل وكالات وطنية لحماية البيانات.. كل ذلك للمواطن الأوروبى فقط!!
حيث سيتم إخفاؤها من نتائج البحث فى أوروبا فقط!! بينما ستظهر فى باقى أجزاء العالم.. فلا تأمل أنت هنا أيضاً.
موضوع معقد للغاية.. تتشابك فيه أطراف كثيرة ومصالح وسياسات واستخبارات دولية.. كذلك هى ليست المرة الأولى التى تصطدم فيها الشركات التكنولوجية الأمريكية مع قوانين حماية وخصوصية المواطن الأوروبى، والتى من المنتظر أن تواجه المزيد من المشاكل والصدامات فى المستقبل بعدما تفجرت فضائح التجسس الأمريكية أشهرها ما فجره إدموند سنودن.. إلى فضيحة التنصت على مكالمات المستشارة الألمانية ميركل وأخيراً طرد ألمانيا لاثنين من موظفى السفارة الأمريكية ببرلين لاتهامهما بالتجسس.
مرة أخرى الموضوع سيظل مريباً ومعقداً من الجوانب السياسية الخبيثة التى تثير تساؤلات كثيرة حول فلسفة وأخلاقيات التكنولوجيا والمعلومات!! ولكنها فى الوقت نفسه تحمل جانباً إنسانياً يمسنا كبشر ويمثل عنصراً مهماً نحيا من أجله جميعاً -وهو هويتنا- حق نعلنه.. نطلقه.. نحدده على أنفسنا أينما نشاء ووقتما نشاء.. هويتنا أهم من خصوصيتنا.. هويتنا الآن.. ما نحن عليه الآن.. الحق فى النسيان يمنحك الحق فى هذه الهوية التى تريدها وتحدد شكلها الذى يرضيك.. يمنحك الحق أن تمحو ما لا تريد أن تتذكره أو تسترجعه.. يمنحك الحق أن تزيل غبار أفعال أو أقوال أو اتجاهات وحتى صور لا تعبر عن هويتك الآن ولا تمثل رؤيتك أو نظرتك للحياة!!
لماذا إذن هذا الصراع المميت للإبقاء على ماضى البشر الذين يرغبون فى نسيانه ويرغبون منك أن تنساه؟
بينما هناك شعوب وأوطان يأبى أصحابها حق نسيانها.. يناضلون من أجل الإبقاء عليها وحفظها فى كيانهم ووجدانهم ودمائهم حتى آخر لحظة فى الحياة.. وحتى لا يأتى يوم تطمس فيه هذه التكنولوجيا علامات حدود وخرائط لأوطان وتدعى أن أقمارها الصناعية التقطت صوراً لحدود ومساحات جديدة وتقسيمات حديثة وأن ما كان موجوداً كان مدوناً ضمن طلبات «حق النسيان» تقدم به خونة البلاد وعملاؤهم لطمس التاريخ والذكريات لشعوب وعروبة وجغرافية أمم!!