هدنة «مرسى» ونخوة الجيش
ستظل مصر تدفع أثماناً كبيرة جراء السنة التى وقعت فيها تحت حكم تنظيم «الإخوان»، لكن ثمة مكاسب كبيرة تحققت أيضاً بسبب وصول هذا التنظيم إلى السلطة خلال تلك السنة.
من أهم تلك المكاسب أن التنظيم لم يعد قادراً على خداع المصريين بأنه يمتلك تصوراً مغايراً وسياسات مختلفة عما دأبت عليه الدولة المصرية حيال الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى فى العقود الثلاثة الماضية.
فقد استطاعت جماعة «الإخوان» إقناع أعضائها وأنصارها بأنها تعادى إسرائيل وتستهدف تحرير فلسطين، وأن ما يمنعها عن مقارعة «هذا العدو» ليس سوى «الأنظمة العميلة» التى توالت على حكم مصر، و«لجمت» طموح الجماعة إلى تفعيل شعارها الأثير «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود».
لكن ما جرى خلال عام تحت حكم «الإخوان» كان شيئاً معاكساً تماماً؛ ففى منتصف شهر أبريل من العام الماضى، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات نادرة ومهمة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى الجنرال بينى جانتس، يؤكد فيها أن التنسيق الأمنى بين القاهرة وتل أبيب «تحسن كثيراً» منذ وصول «الإخوان» إلى الحكم فى مصر.
ليس هذا فقط، لكن دانى دانون، نائب وزير الدفاع الإسرائيلى، وصف العلاقات الأمنية المصرية - الإسرائيلية فى فترة حكم «الإخوان» بـ«الأفضل» بين الجانبين. أما عاموس جلعاد، المسئول الرفيع بالوزارة نفسها، فقد نقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» قوله: «إن التزام مصر باتفاق السلام معنا تحسن وصار أكثر كثافة» فى عهد «الإخوان».
ستكون المسألة أكثر وضوحاً إذا تذكرنا فى هذا الصدد نص الخطاب الذى أرسله «مرسى» لنظيره الإسرائيلى آنذاك شمعون بيريز، وهو الخطاب الذى وصفه فيه بـ«الصديق الوفى»، وتحدث فيه عن إسرائيل باعتبارها «دولة صديقة»، راجياً لها «التقدم».
وسيزداد الوضوح بالطبع حين نتذكر كيف أشاد الأمريكيون والإسرائيليون فى أرفع المستويات بما فعله «مرسى» أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة فى 2012، حيث تدخل الرئيس المصرى آنذاك بشكل أدى إلى نهاية الأزمة عبر هدنة حافظت على الأوضاع مستقرة حتى الأسبوع الماضى.
أمس الأول الأربعاء، كانت قناة «الجزيرة مباشر مصر» تذيع كلمة ألقاها خالد مشعل يوضح فيها موقف حكومة «حماس» من العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، ويحض الفلسطينيين والعرب والمسلمين على مقاومة هذا العدوان.
لكن القناة رأت، خلال إذاعة هذا الحديث المهم لـ«مشعل» أن تقسم الشاشة إلى قسمين؛ أحدهما يظهر صورة المتحدث، والآخر ينقل صوراً لتظاهرات أنصار «الإخوان» فى أبوحماد وكفر الشيخ، وهى التظاهرات التى نددت بالعدوان على غزة، وشجبت رفع الأسعار، وطالبت بعودة «مرسى«.
«مشعل» نفسه قال إنه ينتظر «نخوة جيش مصر العظيم تجاه أمته العربية»، وهى مقولة تستحق الاحترام والتقدير، خصوصاً أنه قالها فى أعقاب إشادته بانتصار العاشر من رمضان، باعتباره أحد أهم النقاط المضيئة فى تاريخ الأمة العربية.
لن يكون «الإخوان» قادرين على ابتزاز مشاعر المصريين من جديد فى ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأدوار التى يمكن أن تلعبها مصر لمساندة الشعب الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيليين.
ولن يكونوا قادرين أيضاً على تحقيق مكاسب سياسية عبر إثارة تلك القضية، لأن المصريين عاينوا مواقف «الإخوان» تجاه إسرائيل حين كانوا فى الحكم، وأدركوا أنها لم تتغير أبداً عن مواقف «مبارك»، وربما كانت أكثر ليناً وأكثر رغبة فى التعاون.
تلك واحدة من الخسائر الكبيرة التى مُنى بها «الإخوان» بعد تجربتهم فى الحكم، وأياً كان ما يقصده «مشعل» من دعوته الضمنية للجيش المصرى بـ«إظهار نخوته تجاه أمته»، فإنه لن يغير كثيراً من الموقف، لأن «جماعته» كانت فى الحكم حين شنت إسرائيل عدوانها على غزة فى 2012، ولم تفعل شيئاً مهماً سوى السعى إلى هدنة.