تتسم المجتمعات الحديثة بانتهاج الأساليب العلمية فى إدارة شئون البلاد، واختيار القيادات القادرة على تحمل المسئولية فى الوقت المناسب والمكان المناسب والظروف المناسبة ولا تكاد تخلو دولة حديثة وعصرية من وجود قاعدة بيانات أساسية تضم كافة الخبرات والكفاءات القادرة على أداء وظائف محددة، وتعمل الجهات المختصة على فرز هذه الكفاءات وتصنيفها وفق معايير محددة يمكن ترشيحها لصانع القرار حتى يستطيع الاختيار من بينها لشغل مواقع تنفيذية أو قيادية فى عناصر الدولة، وبالتالى لا يكون هناك أى مجال لاعتبارات القرابة أو الصداقة أو المحسوبية أو النفاق. أقول هذا الكلام بمناسبة التلبك والتلعثم والعشوائية التى تسود الحالة المصرية عند تشكيل الحكومات واختيار الوزراء الأكثر قدرة وكفاءة على إدارة البلاد، خاصة فى المراحل الحرجة والحساسة من تاريخ الوطن، وفى الدول المتقدمة تتم هذه الأمور فى أجواء من الشفافية والعلانية الكاملة، ومع ذلك ظل الناس يضربون أخماساً فى أسداس خلال متابعة وقائع تشكيل الوزارة الجديدة، ففور إعلان استقالة الحكومة السابقة، بعد تنصـيب الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيساً للجمهورية، قام السيد الرئيس بتكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة الجديدة، وقد قضى المهندس محلب نحو عشرة أيام فى التشاور ومقابلة عشرات الشخصيات قبل أن يستقر فى النهاية على تغيير أربعة عشر وزيراً من بين 34 وزيراً فى الوزارة السابقة، أى قرابة ثلث عدد الوزراء، وبعض الأسماء التى تمت مقابلتها لو كان تم اختيارها لكان ذلك كارثة بكل المقاييس، كذلك لم يحدث عبر تاريخ مصر طرح أسباب إقالة بعض الوزراء، أو أسباب الإبقاء على وزراء آخرين دون تقديم مبررات هذا الاختيار، ونظل دائماً فى اكتساب المعرفة من خلال ممارسة التجربة والخطأ بدلاً من الاعتماد على الأساليب العلمية المحسوبة، التى لا تسمح بالخطأ والتجاوزات فى الاختيار. ويبقى السؤال الجوهرى الذى لا أعرف له إجابة حتى الآن: هل هناك جهات سيادية فى الدولة لديها قاعدة بيانات متكاملة تضم الكفاءات فى مختلف التخصصات لطرحها على صاحب القرار لاختيار البديل الأفضل الذى يحقق أكبر عائد ممكن لمصلحة البلاد فى ظروف معينة، أم أن الأمر يظل متروكاً للسيد رئيس الوزراء المكلف لكى يقوم بالاختيار من بين دائرة ضيقة من البدائل والخيارات تعتمد فى الغالب على المعرفة الشخصية أو ترشيحات البطانة الملتفة حوله، التى يحكمها فى الغالب اعتبارات شخصية لا تراعى الصالح العام؟ أطرح هذا التساؤل بعد ثورتين عظيمتين واختيار رئيس جمهورية قدير بأغلبية كاسحة تنعقد عليه كل الآمال فى إقالة مصر من عثرتها، والعبور بالمصريين إلى آفاق رحبة من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطنى. نحن مقبلون على عهد جديد شعاره العمل والإنجاز، وأدواته الخبرات والكفاءات، ولكن للأسف هذا لم ينعكس بوضوح عند تشكيل الحكومة الجديدة.