م الآخر| عبيد التجديد
دائمًا ما استدعى مرور الزمن تطورًا ملحوظًا في شتى مجالات الحياة، من أول الطعام والمسكن والملبس، والتي تُعد من الحاجات الأساسية للوجود، حتى نصل للكماليات والإضافات التي يمكن الاستغناء عنها.
تطور البشر من أكل أوراق الشجر والنبات عامًة، إلى الانتقاء واختيار الأصلح، وتفضيل ما كان طعمه محببًا، والابتعاد عن ما كان طعمه سيئًا أو مسببات التسمم من النباتات، وتطورت أساليب الطهي، من المسلوق، للطهي على البخار للمشوي، وصولًا للمحمر والمشمر وغيرها.
تطور المسكن من الجبال وكهوفها، للخيام، للبيوت من الخشب والطين اللبن، حتى وصلنا للخرسانة والحديد المسلح وغيرها من تكنولوجيات البناء الحديث، فالتطور شيء جيد، يساعدنا على الحياة بشكل أسهل وأكثر أمانًا.
ولكن لكل شيء نقيضه، والإسراف يؤدي للفساد، ومجاوزة الحد تحول النعمة إلى نقمة.
ففي عصرنا هذا، نجد أن التحديث والتطور أصبح هدفًا في حد ذاته، فالكل يسعى خلف الأحدث والأكثر تطورًا، لا من أجل حاجته، ولكن من أجل الظهور والشهرة ومواكبة العصر، فكم من شخص يبدل الـIPhone الخاص به عند نزول جهاز جديد؟، مع أن فارق الأمكانيات ليس كبيرًا، ولكن رغبته في الفشخرة والمنظرة بلغت مداها، فكم من شخص يتبع الموضة في الملبس، مع أن الموضة الجديدة لا تناسبة؟.
فنجد غالبية تسير مع التيار، ففي هذه الأثناء تجد الموضة هي تطويل شعر رأس الأولاد ولبس البناطيل الضيقة، ونجد الموضة هي الكاميرات الـpro الـHD الذي صنعت خصيصًا لغرض التصوير المحترف، وليس من أجل المنظرة وحب الظهور بين أقرانك، فيكونون في حاجة دائمه لصاحب الكاميرا لتصويرهم، ثم يشعر أنه فنان ملهم فينشيء صفحة على الـFacebook وحساب على Instagram ويبدأ في تنزيل صور لا إبداع فيها ولا تجديد.
تجد الموضة هي إدعاء العمق والتفكير بدقة في بواطن الأمور، فالكل يدعي شرب القهوة، أو يشربها على مرار حفاظا على مظهره بعد إدعاءه عشقها على مواقع التواصل الأجتماعي، فالكل يسمع فيروز والقصائد العربية القديمة التي تم تحويلها إلى أغاني.
الكل يقرأ لأحمد مراد رغم وجود كتّاب أكثر عمقًا منه.
الكل يدعو الناس قائلًا: "تعمقوا يرحمكم الله"، فبالفعل نحن متعمقون، متعمقون في الجهل والفقر والتفاهة.
الكل يسعى لاحتلال أي موقع تواصل إجتماعي جديد مثل Google+ سعيًا وراء الريادة، الريادة في الهطل إذا صح التعبير.
الكل يحشر الكلمات الإنجليزية حشرًا داخل الجمل العربية في الحديث العادي، فهو شاب "كيلاس"، حتى وصل الأمر بوجود عبيد للحداثة يسعون لاستهلاك كل ما هو جديد دون التفكير في مناسبته لهم، أو سبب التطوير الحقيقي من الأساس، حتى وصل الأمر لأن بعض الناس لم تعد تبتسم إلا أمام الكاميرات، ولم تعد تصادق إلا ملاحقي التطور، ومتابعي من "الهاي كيلاس" وشيعتهم.
انتقوا ما يناسبكم؛ فللتطوير أسبابه؛ وللموضة متبعيها؛ فلا تكونوا كالذين قالوا عليهم في فيلم الكيف "سيب البضاعة في السوق.. هي هترقي نفسها وتلاقي زبونها".
فلا تكن زبون أي بضاعة والسلام.
لا تكونوا للتجديد عبيد.