ما بالكم وكأننا بلا خطيئة حتى نرجمها جميعاً بحجر واحد، وما بال صبركم وحلمكم قد نفد عند جريرتها ومال عن غيرها وغضّ الطرف عن كل صور الظلم والتعدى والقهر والامتهان، ما لكم وقد صبرتم على الغريب والقريب صباح مساء، دون ضجر أو قلق حتى وضعتم أوزاركم على رأسها وحدها، وما بال هؤلاء جميعاً قد رفعوا السيوف والخناجر لتأديبها وتربيتها وتهذيبها، شرفاء بلا جريرة، أمناء بلا خطيئة، قائمون على أمور العباد بلا تدليس أو نفاق، وكأنها تحمل عنا جميعاً فسادنا وجرائمنا ومصائبنا التى ابتدعناها وحفظناها من كل خير، فإن كنتم على بيّنة من جريمتها اذبحوها وارجموها وحدها، وإن كانت جريمة مجتمع بأكمله ارجموه هو أيضاً واذبحوه، احبسوها حتى تعود إلى رشدها، واعزلوا المجتمع خلف الأسوار حتى يعود إلى صوابه.
تحاسَب؟ نعم تحاسب.. تحاكَم؟ نعم تحاكم.. لكن أن يتربص بها المجتمع كله، ويشنقها الجميع، ويسارعوا إلى محاكمتها ابتغاء مرضاة خلق الله الخارجين على القانون والمتمسحين به والمنافقين والراقصين حوله، فهذا والله النفاق بعينه للحاكم وللمحكوم، للرعية والراعى، وتحال للمعاش والاستيداع والصلاحية وإلى محكمة الجنايات كالقتلة، ويحاربها الجيران وينقضّ عليها زملاء العمل، كل هذا دفعة واحدة.. هو إعدام وقتل وتعذيب، وتغليظ العقوبة ومضاعفاتها واستباقها مخالفة للقانون والأعراف.
ألم نسمع منكم أنها تعانى أزمة نفسية حادة جرّاء فقد عزيز أو أعزّاء، وتعيش يومها بين ذكرياتها وأطلال الأحبّة «كما قالوا» و«أذاعوا»، أو تعانى الوحدة والانفصال «كما يزعم البعض الآخر» فلماذا يميل الميزان كل هذا الميل، ويجور كل هذا الجور، دون تريث وبحث وتساؤل ومراجعة، حتى يستدل على الحقيقة فيرحم إذا كان فى ضميره الرحمة، ويقسو إذا كان فى نيته العدل، وكان أولى بنا جميعاً أن نتراجع عنها ونتركها بين يدى القضاء، فلربما يخفف عنها بعضاً مما تعانى، أو يرأف بها دون ضغوط شعبية، ودون أن نحمله معنا إلى ظلم، أو ندفعه دفعاً إلى التجاوز، فربما يرضينا أو يقاسمنا مشاعرنا الجارفة الحارة.
لست ضد المساءلة والمحاسبة للجميع، كل من يخالف القانون والنظام، من العامة والخاصة، الأغنياء قبل الفقراء، إلا أن نختزن العقاب ونكدسه ونحشره حشراً ونحجبه عن المخالفين فيطفح ويزيد على الحد ويصيب عابراً قليل البخت والحظ من علياء القوم أو أوسطهم أعلن عن نفسه ولم يسترها، وتجاوز عن الحد وفضحه القوم على الملأ، فينال من العقوبة نصيب ومخزون الجميع، فإذا فرغنا عدنا إلى سابق عهدنا نختزن «القات» ليوم ليس بمعلوم. نحن نغالى فى الكره وفى الحب، ونسرف فى الحساب وفى العقاب، ونفرط فى القبول والرفض، ونتجاوز الخطوط الحمراء والخضراء ولا نبالى، ونعظّم ونضخّم ونهوّل إذا أحببنا، ونمتهن ونحتقر ونصغّر إذا كرهنا، ميزان العدل عندنا لا يستقيم على حاله أبداً، يكيل بمكيالين، نرفعه إذا كال لنا ونخسف به الأرض إذا كال لغيرنا، نبالغ فى العقوبة والحساب إذا كانت خارج حدودنا وبيوتنا، ونخففها بل ونرفعها إذا مرت بجوارنا أو طالت أحدنا، لا يستقيم الميزان إلا إذا كانت النفوس راضية صافية ومطمئنة إلى استقامة واعتدال العدل، وهو غائب ومحبوس ومشلول.
يا قوم.. تعالوا نعتدل ونستقم، «جميعاً وأنا فى أول الصفوف» ولا نهوّل ولا نهوّن فى الأمور، ولا نختزل الموقف فى مشهد تم تصويره دقيقة أو دقيقتين، فربما ما يحمله من أسرار وخبايا، وما يخفيه ويستره طرف من الأطراف، يدفع الفاعل إلى الخروج عن المألوف أكثر مما نرى ونشاهد، ولو حاسبناه على فعلته لشكرناه وكافأناه وحمدنا صنيعته وسعة صبره وصدره، بدلاً من الإجهاز عليه، الصورة الكاملة أصدق فى الحكم على ما تحمله من جمال أو ما ترفعه من قبح، ولا يُعرف فى هذا الزمن الكتاب من عنوانه، فمعظم العناوين مضللة، فإذا فتحت الكتاب ربما كان العنوان مظلوماً وهو ظالم، أو حبيباً وهو ألد الخصام.
أما عن هذه السيدة المستشارة، فلنتريث قليلاً «وأنا كنت أول المندفعين» ونترك لأصحاب الشأن التأكد من هذه المزاعم وحقيقتها، وهل ما تعانيه نفسياً يرفع عنها الخطأ، أو نستكمل الحوار والمشهد وظروفه كاملة، فربما يحمل من الأسرار ما يكشف لنا الصورة كاملة ونصل إلى الحقيقة والعدل، ولا تنال من العقاب ما يزيد على جريمتها، وتريثوا فربما تستحق منا جميعاً المواساة إذا كان ما زعموا حقيقة، فلا تبالغوا فى ظلم الناس، فربما يوماً تقف مظلوماً، وخطفك خاطف بصورة مجتزأة ومختصرة، وتنهال عليك السياط من كل جانب، حتى سياط المنافقين
«أرجو أن يكون المجلس القومى للمرأة أحد أطراف القضية معها أو عليها».