دينا عبد الفتاح تكتب: ليبيا.. حسابات الاقتصاد والسياسة!
دينا عبد الفتاح
يتساءل الكثيرون حول الأهمية الاستراتيجية التى تكمن فى ضرورة تدخل مصر فى ليبيا لحمايتها من المد والاستعمار التركى الواضح؟.. وهنا أرغب فى تصوير هذه الأهمية فى نقاط صغيرة ومختصرة:
أولاً: وقَّعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية فى نوفمبر 2019 اتفاقاً باطلاً حول ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين؛ حتى تستطيع تركيا من وراء هذا الاتفاق منح شرعية زائفة لها لكى تتدخل فى وقف منظومة تعيين الحدود البحرية فى المتوسط التى تتم بين مصر واليونان وقبرص وجهات أخرى بهدف تنظيم استغلال الغاز فى المتوسط، وتحويل مصر إلى مركز إقليمى عالمى لتداول الطاقة.. ويقضى هذا الاتفاق بضرورة دعم تركيا لحكومة الوفاق عسكرياً وسياسياً مقابل تسهيل حكومة الوفاق الليبية سيطرة تركيا على الغاز فى المتوسط أو إعطائها «كارت» يمكن أن تلعب به وقت اللزوم.
ثانياً: تسعى تركيا للحصول على الحصة الأكبر من مشروعات إعادة إعمار ليبيا ومشروعات النفط والطاقة هناك، باعتبار أن ليبيا أكبر دولة أفريقية لديها احتياطى نفطى، ولديها حجم لا بأس به من الموارد المالية المجنَّبة لعملية إعادة الإعمار، وذلك مقابل الدعم العسكرى والسياسى التركى لحكومة الوفاق، التى لا تتمتع بتأييد الجهة الشرعية المنتخبَة الوحيدة فى ليبيا، وهى مجلس النواب الذى يؤيد «حفتر»، وبالتالى ليبيا تمثل فرصة اقتصادية كبيرة لحصد مكاسب لتركيا، خاصة بعد سلسلة التراجعات الاقتصادية التى ضربت تركيا؛ بداية من أزمة الليرة، ثم الخسائر الناتجة عن الصراعات الحدودية المسلحة، وصولاً لتداعيات فيروس كورونا التى ضربت السياحة التركية والقطاعات الرئيسية هناك.
ثالثاً: تتعاون حكومة الوفاق مع العديد من الجماعات الإرهابية فى ليبيا؛ من ضمنها مجلس شورى درنة، وجماعة المجاهدين، للحرب ضد المشير خليفة حفتر وقواته، مقابل إيهام هذه الجماعات بأن حكومة الوفاق ستطبق «شرع الله» حال سيطرتها على ليبيا بالكامل.
رابعاً: تعهدت هذه الجماعات الإرهابية، من خلال منشورات بثتها على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعى، بأنها «ستدخل إلى مصر من الحدود المشتركة مع ليبيا فور سيطرة حكومة الوفاق على ليبيا»، لتكرر ما حدث من قبل فى حادث الواحات الإرهابى الذى استُشهد فيه عشرات العسكريين المصريين فى 2017 على أيدى مجموعة من المتطرفين القادمين من ليبيا، الذين كان يتزعمهم الضابط المتشدد المفصول من سلاح الصاعقة المصرية عماد الدين عبدالحميد، الذى قُتل بعد ذلك فى إحدى عمليات الجيش المصرى فى الواحات.
من النقاط الأربع الماضية يتضح وبكل سهولة لماذا يجب أن تستميت مصر فى دفاعها عن الحكم الشرعى فى ليبيا، الذى يتزعمه المشير خليفة حفتر، المؤيَّد من مجلس النواب الليبى، الجهة المنتخبَة الوحيدة فى البلاد؟.. ولماذا ترغب تركيا فى دخول ليبيا؟.. وما المقابل الذى ستحصل عليه «أنقرة» من تسليحها لآلاف المرتزقة والميليشيات والإنفاق عليهم؟.. فهى تحاول أن تصطنع لنفسها حقاً شرعياً فى غاز المتوسط.. وتجتهد فى وقف تحوّل مصر لمركز إقليمى لتداول الطاقة فى المتوسط.. وتسعى لفرض هيمنتها على مليارات ليبيا التى ستنفقها فى مرحلة إعادة الإعمار. وتستميت لنصرة الجماعات الإرهابية فى ليبيا وتمكينهم من الحدود مع مصر لتكرار حادث الواحات الإرهابى مرات عديدة لزعزعة استقرار مصر، وإثبات «أردوغان» للأتراك بأنه كان محقاً عندما عارض الثورة الشعبية التى انطلقت 2013 فى مصر!
هذه هى تركيا التى يحكمها الحالمون بالخلافة العثمانية التى أخَّرت مصر عشرات الأعوام إبان حكم الأسرة العلوية لمصر والتى حرَّكت إليها مجموعة من المتغطرسين تحت مسميات «برنس - برنسيسة - أمير - أميرة» فى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ليتحكموا فى مقدرات البلاد ويعتقدوا بأنها إرث لهم ورثوه من حاكم الباب العالى العثمانى، وهو ما برع الكاتب العبقرى الراحل أسامة أنور عكاشة فى تصويره فى روايته «المصراوية» التى نُقلت فى قالب درامى من جزءين يحمل نفس الاسم عامى 2007 و2009 من إخراج المتألق الراحل إسماعيل عبدالحافظ.
ولكن ستظل مصر أبيَّة، ولن تسمح ولن تخضع لأى أطماع للأتراك من جديد، ولن تقف مكتوفة الأيدى فى حماية مصالحها ومصالح شعبها، خاصة أن مصر اليوم ليست كمصر أمس، فهى تمتلك قوة عسكرية جبارة، واستقراراً وتكاتفاً شعبياً قوياً خلف قيادتها السياسية التى قدَّر الله توليها المسئولية السياسية والأمنية فى هذه الظروف بالغة الحساسية، وذلك ببساطة لأن ربنا سبحانه وتعالى هو حامى هذا الوطن من كل الأطماع على مر العصور.
وحتماً سيرحل المتغطرسون والحالمون والواهمون بالخلافة، وستظل مصر قوية شامخة تمتلك جيشاً يحمى ولا يهدد كما قال قائدها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتمتلك أجهزة مخابراتية وأمنية تعلم جيداً حجم المخاطر وتتحوط ضدها بكل قوة، وستظل مصر خلف قادة وشيوخ القبائل الليبية الذين أتوا إلى مصر، وناشدوها من ليبيا لتتدخل لحمايتهم من أطماع الأتراك التى تأتى متخفية تحت ستار «الديمقراطية وحماية الحقوق»، وستظل مصر أهم مركز قوة فى معادلة الأزمة الليبية التى تمتلك كل مفاتيح الحسم والانتصار وقتما تريد!