متى يأتى «الأمبودسمان»؟

«أمبودسمان» Ombudsman كلمة سويدية الأصل، يمكن ترجمتها إلى: «أمين لجنة المظالم»، أو «محقق الشكاوى»، أو «مفوض الشعب». تم النص على وجود «أمبودسمان» للدولة فى السويد فى دستور عام 1809، الذى يعد أحد أقدم دساتير القارة الأوروبية؛ ومنذ ذلك الحين يمارس «الأمبودسمان» دوره فى الدولة السويدية، باعتباره إحدى آليات الرقابة على أداء السلطتين التنفيذية والقضائية، وإحدى ضمانات إنصاف المواطنين، الذين يشعرون بأنهم تعرضوا للظلم أو الإجحاف. لقد انتقلت صيغة «الأمبودسمان» لاحقاً إلى دول عديدة فى العالم، وما زالت تزدهر وتتطور خصوصاً فى الدول الإسكندنافية، التى يقوم «الأمبودسمان» فيها بتلقى الشكاوى من المواطنين، ويخضعها للفحص والتدقيق، من خلال معاونيه، الذين يستخدمون أفضل وسائل التحقق والتثبت، ثم يصل إلى النتائج، ويلزم السلطات بتفعيلها، ويقوم بالرد على الشاكى، كما يعرض الشكوى، وما تم بصددها على الجمهور. اعتباراً من ستينات القرن الفائت، انتقل نظام «الأمبودسمان» إلى الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام، ليصبح هذا النظام معمولاً به فى أكثر من 40 دولة من دول العالم؛ منها بالطبع الدول الإسكندنافية، وعدد من دول القارة الأوروبية، والأمريكتين، وأيضاً الكثير من الدول الآسيوية؛ مثل الهند، وباكستان، وإندونيسيا، وغيرها. يعد «الأمبودسمان» جزءاً من إطار «التنظيم الذاتى» لمهنة الصحافة؛ أى أنه يندرج ضمن الجهود التى تبذلها المؤسسات الصحفية من أجل ضمان التزامها بالأسس المهنية والقواعد الأخلاقية اللازمة لحماية حقوق الجمهور والمصلحة العامة فى أن يتيح «الأمبودسمان» لجمهور الصحافة الحق فى الشكوى من ممارسة صحفية معينة، عبر إرسال الشكاوى والملاحظات لشخصه، ثم يقوم ببحث تلك الشكاوى، ويتخذ قرارات بشأنها، ويعلن تلك القرارات فى ذات الصحيفة، ويلزمها بإجراءات معينة وفق منطق كل حالة؛ مثل التصحيح، أو نشر الرد، أو الاعتذار للجمهور فى حال وقوع خطأ. فى الفترة من 4 إلى 7 مايو الحالى، كنت فى هامبورج، بألمانيا، بدعوة من النادى الإعلامى، التابع لمعهد الحوار الدنماركى - المصرى، لحضور المؤتمر السنوى لمنظمة Organization of News Ombudsman، أى المنظمة المعنية بعمل «الأمبودسمان» فى المؤسسات الصحفية ذات الطبيعة الإخبارية. لقد شارك فى ذلك المؤتمر نحو 50 من «الأمبودسمان» العاملين فى أكثر من 30 دولة؛ من بينها دول نامية مثل الهند، والأرجنتين، ودول متقدمة مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وسويسرا، والسويد، وألمانيا، والدنمارك. وبحث المجتمعون فى المؤتمر العوامل المؤثرة فى أدائهم لعملهم، وحدود التقاطع بينهم وبين رؤساء التحرير، كما عرض بعضهم عدداً من الشكاوى التى تلقاها من أفراد الجمهور خلال عمله، وحاول أن يسمع آراء زملائه الذين يعملون فى الوظيفة نفسها، ليتبادل الخبرات معهم، من أجل الوصول إلى الحل السليم بصدد تلك الشكاوى. على أى حال، لقد خلص الحوار الذى أجرته المنظمة بين أعضائها إلى نتائج مهمة؛ من أهمها أن عمل «الأمبودسمان» يحد من ذهاب الجمهور إلى القضاء بغرض الشكوى من أنماط الأداء الصحفية المثيرة للجدل من جانب، كما يعزز الثقة بين الجمهور وصحيفته من جانب آخر. تحتاج صناعة الصحافة والإعلام فى مصر إلى بناء إطار للتنظيم الذاتى بواسطة الصحفيين والإعلاميين أنفسهم، لكى يحد من الانفلاتات فى الأداء، ويقلل من الممارسات الحادة، ويعزز ثقة الجمهور فى وسائل الإعلام، ويرفع عن كاهل القضاء الكثير من القضايا التى تصل إليه بسبب الممارسات الصحفية المسيئة، والتى تعجز صناعة الإعلام نفسها عن احتوائها ومعالجتها وتطويق آثارها بشكل منصف وعادل. يجب أن تفكر وسائل الإعلام الرائدة فى مصر فى تعيين «أمبودسمان»، ليكون خطوة أولى فى طريق المحاسبة الذاتية، من أجل استعادة ثقة الجمهور واحترامه.