م الآخر| الأيدولوجية والعقلية.. مصطلحات مش بتخوّف
"أيدولوجية، وعقلية"، كلمات يفزع منها العامة، ويتبادر إلى أذهانهم الإخوان والجزيرة، و من ورائهم أمريكا، فهل سألنا أنفسنا نحن أصحاب الفكر لماذا؟ لماذا ذلك التوجه العدائي ضد تلك الألفاظ؟ لماذا تلك العدوانية ضد أي شخص يتحدث عنها؟ لماذا الربط بينها وبين المخططات "الصهيوأمريكية" و"الأنجلوتوراتية" و"الأسيوأوروبية؟!"، وأتحدى أن تفهم كلمة مما أقول!.
من المعهود أن الإنسان عدو لما يجهل، فتلك طبيعته البشرية، ولكن هل تصل العدوانية في مجتمعنا نحو المصطلحات، وما يتعلق بها من أفكار إلى تلك الدرجة بسبب ذلك فقط؟
بكل تأكيد ليس ذلك هو السبب الوحيد، ولكن ككل مشكلة يوجد بها العديد من الأطراف، يكون الكل مشارك بها بنسبة معينة كبيرة كانت أم صغيرة!
في البداية.. أقوم بتعريف الأيدولوجية: فما هي الأيدولوجية؟
الأيدولوجية.. باختصار هي مجموعة منظمة من الأفكار تشكل رؤية متماسكة شاملة، وطريقة لرؤية القضايا التي تتعلق بالأمور اليومية، أو تتعلق باتجاهات فلسفية، أو سياسية معينة.
فكلنا إذًا أصحاب أيدولوجيات، ففي حياتنا اليومية نتعامل مع مشاكلنا من خلال تفكير و رؤية، ويتطور الأمر إلى رؤيتنا للأحداث التي تمر بها البلاد، فكلنا أصحاب أيدولوجية.. حتى أعداء المصطلح والمرتعدون منه.. هم أصحاب أيدولوجية!.
ولكن لماذا الخوف من تلك الألفاظ؟ والسبب ينقسم لجزئين:
الأول: وسائل الإعلام، والحملة الشرسة الموجهة ضد أي فكر إلا الفكر الذي يدعمه الإعلام الذي يتبع السلطة، وشيطنة أي فكر مختلف أو مخالف في بعض النقاط، وذلك أدى لوهم معظم منخفضي الوعي أو معدوميه بوجود وحش كاسر يدعى المخططات والأجندات، وأن كل أجندة مبنية على أيدولوجية، فكل أيدولوجية فاسدة وتهدف لهدم الجنة التي ننعم فيها، وأن كل من يدعو لفكرة سياسية كانت أو خدمية أو ينتمي لفريق كرة أو غيرها، فهو دخيل علينا، وعميل للغرب.
ثانيًا: جهل أصحاب الفكرة، والأيدولوجية بمعظم جوانبها (المتساهل منها والمتطرف)، فللأسف معظم الصفوة، والنخبة هم من أنصاف المثقفين، ولذلك تصبح حجتهم ضعيفة، أو يشعر أصحاب الأيدولوجية أنهم أعلى من غيرهم، وأسمى مكانة؛ فيتعالون ويتكبرون، ويبتعدون عن العامة، ولا يحاولون تبسيط الأفكار من أجل توصيلها، بل لا يحاولون توصيلها على الإطلاق، فهو لا يختلف عن تعصب النازية الأولى، فيريد الحفاظ على نقاء أصحاب أيدولوجيته.
حامل الرسالة والأيدولوجية هو رسول للمجتمع الذي يعيش به، فيجب عليه أن يكون على معرفة تامة برسالته (الأيدولوجية)، وبكل جوانبها وتعريفات مصطلحاتها، وأمثلتها في الواقع، ورؤية أصحابها المشتركة، وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، وما سوف يترتب على ذلك التطبيق.
على حامل الرسالة أن يبدأ بتعريف أيدولوجيته.. ببساطة حتى يسهل على الجميع فهمه.
على حامل الرسالة أن يستمع لأسئلة الناس، ويجاوب عليها بوضوح ودقة، وعليه ألا يكل أو يمل من النقاش والتوضيح، فالرسالة والفكرة كالنبات، فلا تُجني الثمار إلا بعد الحرث ثم بذر البذور في التوقيت المناسب، والري والعناية بالنبات.
على حامل الأيدولوجية، ومعتنقها ألا يسمح للخلافات الشخصية بالتدخل في نطاق رسالته، فلا تؤثر على تعامله مع الحلفاء أو المنافسين من أصحاب أيدولوجيات مختلفة أو مصالح متعارضة مع فكره.. رسالته أكبر منه ومن وجوده، فعليه أن يدرك أنه إلى زوال، ولكن أفكاره باقية، فهو جندي وسط حرب مكونة من آلاف المعارك، وإقناع شخص واحد بفكرة هو نصر في معركة، التي يمكن أن تجعل حزبه يربح الحرب كلها، وتوعية الناس هي أولى خطوات تلك الحرب التي تؤدي للتنوع والاختلاف.. سنن الحياة التي تؤدي للتطور، فالأيدولوجية والعقلية.. مسئولية.