يتواصل استهداف شباب الصحفيين بالقتل والإصابة فى مسلسل مستمر يعكس رخاوة الدولة وتخبطها فى مواجهة عناصر الجماعة الإرهابية وأعوانها من الراغبين فى إسقاط الدولة. وكان آخر المشاهد سقوط ثلاثة صحفيين بإصابات جسيمة وهم ينتمون لصحف «صدى البلد» و«اليوم السابع» و«المصرى اليوم»، وذلك خلال الاشتباكات التى شهدتها جامعة القاهرة يوم الاثنين الماضى بين طلبة الإخوان وقوات الأمن، حيث حاول الطلاب الخروج من الحرم الجامعى بعد فشل اقتحامهم مبنى رئاسة الجامعة، وأكد أحمد صبرى، رئيس تحرير موقع صدى البلد، أن المصورين أصيبوا بطلقات نارية، وقد تأخرت سيارات الإسعاف فى نقلهم إلى المستشفى لمدة 45 دقيقة، وكان العشرات من طلبة الإخوان -كما هى العادة- قد نظموا مسيرة داخل الحرم الجامعى بجامعة القاهرة، وتوجهوا بعدها لمحيط مبنى رئيس الجامعة وحاولوا اقتحامه، غير أن الأمن الداخلى للجامعة نجح فى التصدى لهم، وبعدها حاول الطلاب الخروج من الجامعة مما دفع قوات الأمن لاستخدام قنابل الغاز ونجحت فى إعادتهم. ويتواصل هذا المسلسل الدموى ليس فى جامعة القاهرة فقط، وإنما فى مختلف الجامعات المصرية، مما جعلها تقلص الفصل الدراسى الثانى إلى النصف تقريباً. ويتشارك فى المسئولية عن هذه الأحداث كل من وزير التعليم العالى ووزير الداخلية نظير تهاونهما فى التصدى بحسم لتلك الأعمال الإرهابية. ويهمنا فى هذا الصدد التركيز على الاستهداف المتعمد للصحفيين الشباب الذين يخاطرون بحياتهم من أجل نقل الأحداث والوصول إلى الحقيقة، وتتحمل نقابة الصحفيين النصيب الوافر من المخاطر التى يتعرض لها شباب الصحفيين، فما زال قانونها العقيم الصادر سنة 1970 يحول دون التحاق هؤلاء الصحفيين بالنقابة ولو كأعضاء منتسبين حتى انقضاء فترة التدريب، وبالتالى تمتنع النقابة عبر قرارها السلبى عن توفير الغطاء القانونى والتأمين على الصحفيين من مخاطر القتل أو الإصابة عند تغطية الأحداث الملتهبة، ويتشارك مع النقابة رؤساء المؤسسات الصحفية الذين يلقون بشباب الصحفيين إلى التهلكة نظير مكافآت زهيدة أشبه بالسخرة بينما يجلسون فى مكاتبهم المكيفة لمتابعة الأحداث. فقد فقدت كلية الإعلام بجامعة القاهرة ثلاثة من خيرة أبنائها الذين لقوا حتفهم خلال العام الأخير فقط، فضلاً عن إصابة الصحفى الشاب خالد حسين بطلق نارى فى الصدر، ونتمنى له السلامة.
إن هذه الأحداث تفرض على نقابة الصحفيين سرعة تعديل قانونها الحالى، والسماح الفورى لالتحاق خريجى قسم الصحافة بالكلية بالنقابة كأعضاء عاملين بمجرد تخرجهم أسوة بما يحدث فى كافة النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين والمحامين والتجاريين وغيرها، كذلك آن الأوان أن يلتحق بالنقابة من يعملون بالمؤسسات الصحفية كأعضاء منتسبين من غير خريجى الإعلام حتى انقضاء سنتى التدريب، ثم يتحول القيد بعدها مباشرة من عضو منتسب إلى عضو عامل، الهدف من ذلك توفير الغطاء القانونى والتأمينى لهؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الكشف عن الحقيقة إعمالاً لحق المواطن فى المعرفة، وواجب الصحفى فى الوصول لمصادر المعلومات. فالاعتداء على الصحفيين ينطوى على منع الجمهور من الحصول على المعلومات الدقيقة، وفى ذلك مصادرة لحق المجتمع فى معرفة ما يدور فى البيئة المحيطة، وهى مسألة حاسمة لإقامة المجتمع الديمقراطى. فالصحفى يخرج من منزله وقد أصبح هدفاً مستباحاً لأطراف الصراع السياسى فى مصر، وقد أعلنت نقابة الصحفيين مراراً أن الصحفيين يتعرضون لانتهاكات من القوى المختلفة، ولكنها تكتفى دائماً بإقامة الوقفات الاحتجاجية على سلالم النقابة والاكتفاء بالتصوير التليفزيونى دون اتخاذ قرارات حقيقية تحول دون تواصل هذه الانتهاكات. إن الخطر الذى يمكن أن يصيب الدولة من استمرار استهداف حياة الصحفيين ينعكس بالسلب على حقوق المصريين، ويجعلهم أسرى للشائعات والمعلومات المغلوطة والزائفة، ويزيد من استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعى بما ينطوى عليه من افتقاد للدقة والمهنية، وللحديث بقية.