م الآخر| فزّورة الشجرة اللي عايزه قطعها "1-5".. عن المشكلة التي لا يراها أحد
هو: يسير في الشارع وعيناه تبدوان مثبتتان في منتصف رأسه، بينما هما في الحقيقة تتقافزان في جميع الاتجاهات ناظرين إلى السيدات والفتيات يمينًا ويسارًا. تجول بفكره للحظة خاطرة تجعله يتعجب من نفسه، فهو يذكر جيدًا كيف إنه في أوج فترة مراهقته نفسها، منذ عشر سنوات لم يكن ينظر إلى الفتيات بتلك الكثافة البشعة رغم أن وقتها كان مقدار التحرر أكثر بكثير عن الآن، فماذا جدّ –الآن بالذات- حتى أصبح يسير متفحصًا كل شبر من كل فتاة وسيدة تمر أمامه، رغم أنهم تغطوا أكثر بكثير عما كان الحال عليه منذ عشر سنوات؟
ينفض عن رأسه تلك الفكرة لأنها بدت له متناقضة، وتفسيرها الوحيد هو أن هناك خللًا ما حدث له، وهو لا يستطيع أن يرى في نفسه مشكلة، فالنفس البشرية تأبى دائمًا الاعتراف أن بها خطأ ما.. لعبة نفسية معتادة تراها كلما حاولت وضع شخص ما في مواجهة مباشرة مع شياطينه صدمة وتجهم، ثم محاولات مستميتة للدفاع عن نفسه وإلصاق الخطأ بكل شىء آخر، يليها انفجار مدمر لا يستطيع أحد أبدًا تقدير قوته أو اتجاهه.
"لقد ازدادت الفتيات توحشًا وعريًا، إلى أين سيأخذونا أكثر من ذلك؟"، تجول تلك الفكرة في داخل رأسه في نفس الوقت الذي يحاول فيه باستماتة اختراق ملابس سيدة أخرى ببصره، ليكتشف لاحقًا عندما التفتت لتتفحص واجهة إحدى المحلات أنها تعدت الخمسين عامًا، يشعر بالغباء الشديد ثم يصعد إلى منزله.
يقوم بتغيير ملابسه، ويجلس في صمت إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به ليتفحص "الفيس بوك"، يرى أحد الأصدقاء قام بمشاركة إحدى الصور التي تظهر فيها بعض الشابات المصريات يرتدين البناطيل الجينز العادية، ومكتوبًا تحتها مناجاة كوميدية ساخرة ترجو الفتيات أن يقوموا بتوسيع ملابسهم قليلًا، وأن لا يرتدوا الكعب العالي الذي يثير صوته الانتباه لهم، وأن لا يضحكوا بصوت مسموع.. إلخ.
تثير الصورة والتعليق في نفسه تشفّي وحشي وراحة نفسية شديدة في نفس الوقت، كالراحة التي تتركها فينا جرعة ماء باردة في نهار الصيف، فيقوم بمشاركة الصورة عنده هو الآخر مع إضافة تعليقه الكوميدي "أيوة بقى ارحمونا يا بنات ده احنا زهقنا وتعبنا"، يدخل بعضًا من أصدقاؤه الشباب ليتركوا تعليقات كوميدية مماثلة تثني على الصورة، وينضم لهم أحد من يدعونهم بالـ"متدينين" ليلعن "فتيات اليومين دول" جميعًا، ويشاركنا بأحلامه المتمثلة في أن تقوم الحكومة المقبلة بمنع الفتيات من ارتداء مثل تلك الملابس الفاضحة، يضحكون قليلًا، ثم ينسى الجميع كل شىء، وكأن شيئًا لم يكن
الناظر إلى الحدث نظره سطحية يرى أن الأمر نمطي، بينما في الحقيقة تلك الأحداث المتتالية المتكررة لها تأثير متضخم ككرة الثلج، ففي تلك القصة الصغيرة قام جميع المشاركين بها ببساطة وبشكل لا إرادي بترسيخ الفكرة ذاتها مرة أخرى بشكل أقوى بكثير في عقلهم الباطن: "يجب أن نغطي الفتيات أكثر حتى لا نُثار نحن بهذا الشكل، والغير مغطى مستباح".
وهنا وجب علينا أن نتوقف قليلًا ونسأل، هل ستحل المشكلة بالتغطية حقًا؟