انتهت الخطوة الأولى من خارطة المستقبل بإقرار الدستور، وبدأ الإعداد للخطوة الثانية: الانتخابات الرئاسية. ولم يكن ثمة شك فى أن ولاء «تمرد» سيكون للمشير السيسى، لكننا فوجئنا بأن اثنين من قياداتها هما محمد عبدالعزيز وحسن شاهين ينشقان ويعلنان انضمامهما إلى حملة المرشح المحتمل الآخر حمدين صباحى.
لم يكن لـ«انشقاق» عبدالعزيز وشاهين عن «تمرد» أية أهمية فى واقع الأمر، على الرغم من أن البعض سينظر إلى الواقعة باعتبارها آخر مسمار فى نعش الحركة، فيما سيراها البعض الآخر نوعاً من «توزيع الأدوار» داخل هذا الكيان اللقيط. لكن ارتماءهما فى حضن «حمدين» يعد فى تقديرى نفاقاً رخيصاً: ليس لشخص «حمدين» فى حد ذاته.. بل لشعار «مرشح الثورة» الذى صدع به رءوسنا. وإذا سلمنا بأن «حمدين» يمثل ثورتى 25 يناير و30 يونيو، كما يدّعى.. فإن مؤيديه -بالضرورة- ضد المشير السيسى، منافسه الأكثر حظاً، الذى يمكن اعتباره «مرشح الدولة»، ومن ثم فـ«الثورة» التى يقصدها «حمدين» فى نظرهم ليست «ثورة 30 يونيو».. تلك الثورة التى أطاحت بأصدقائه القدامى بعد سنة واحدة على تولى رئيسهم الخائن مقاليد الحكم، وردت الاعتبار إلى الدولة المصرية بعد حوالى عامين ونصف على نكسة 25 يناير.
والحق أن انحيازى لثورة 30 يونيو لا يمنعنى من الاعتراف بأن لهذه الثورة «مرتزقة» لا يقلون انتهازية عن مرتزقة «25 يناير»، بل لا يقلون بذاءة وتطاولاً، على غرار ما فعل عضوا «تمرد» المنشقان. فالأخ «عبدالعزيز» أخرج لسانه لبعض مؤيدى «السيسى» -وبينهم سيدات فى عمر الست والدته- أثناء تحريرهم توكيلات فى أحد مكاتب الشهر العقارى. وبفرض أنه تعرض لاستفزازات وحدث تلاسن، وعبّر بعض مؤيدى «السيسى» عن غضبهم بسبب انضمامه إلى حملة «مرشحه الثورى».. فإن هذا لا يبرر سلوكه الصبيانى هذا. لكنه فى الواقع سلوك متوقع من شخص تبين لى مؤخراً أنه فى الأصل أحد مرتزقة «25 يناير»، وكان من أشد المعادين للمؤسسة العسكرية قبل أن يركب موجة «30 يونيو». أما حسن شاهين الذى يذكرنى بـ«خرتية» وسط البلد.. فقد تجاوز «عبدالعزيز» فى زفارة اللسان، وإن كان قد تميز عنه بقدرة هائلة على الكذب.
لا أعرف من أين أتى هذا «الخرتى» بكل تلك البجاحة وقلة الأدب وهو يصف مؤيدى «السيسى» بأنهم «فاسدون»: هل هى أخلاق مرتزقة «25 يناير».. أم أخلاقه التى تربى عليها منذ صغره؟. ولا أعرف أيضاً لماذا كذب وادعى أن أسرة الفريق الراحل سعد الدين الشاذلى تؤيد «حمدين»؟ وإلى أى مدى أحس بالخزى والضآلة وهو يستمع إلى مداخلة السيدة «شهدان» -ابنة الفريق الشاذلى- فى برنامج «الحياة اليوم»، نافيةً معرفتها بهذا البنى آدم من الأساس، ومؤكدة أن أسرة الفريق الراحل تؤيد «السيسى». ولا أعرف أخيراً لماذا تصر حملة حمدين صباحى على «السلبطة»، والادعاء طول الوقت بأن أعضاءها يتعرضون لمضايقات واعتداءات من قِبل مؤيدين للمشير السيسى، وآخر هذه الادعاءات ما صرح به الأخ «شاهين» نفسه لإحدى الصحف، متهماً محمود بدر -«رفيق العيش والملح» على حد وصفه- بتحريض بلطجية الحزب الوطنى على الاعتداء عليه بالأسلحة البيضاء أمام مكتب الشهر العقارى فى شبين القناطر!
قبل فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة بوقت طويل.. همس أحد الأصدقاء ممن يكنون تقديراً كبيراً لـ«حمدين» بأنه سيكون مضطراً -فى حال ترشحه أمام «السيسى»- إلى انتقاده، وربما مهاجمته، وهو ما سيؤثر عليه بالسلب، وينتقص من شعبيته.. ولم يخيب «حمدين» توقع صديقنا وتورط بالفعل أكثر من مرة فى انتقاد «السيسى»، والتلميح بانحياز بعض مؤسسات الدولة إليه، بل ومحاولة التشكيك فى نزاهة العملية الانتخابية. وكنت أتمنى أن ينأى «حمدين» بنفسه عن مثل هذه التفاهات، وينشغل ببرنامج انتخابى يضمن له على الأقل «خسارة مشرفة»، لكنه بدلاً من ذلك لم يكتفِ باستهداف منافسه والبحث مبكراً عن مبررات لـ«خسارة مؤكدة».. بل سمح لصبية فى حملته من نوعية محمد عبدالعزيز وحسن شاهين بافتعال نبرة اضطهاد وممارسة أساليب رخيصة، وبذيئة.. سيدفع وحده ثمنها.