سافرت من القاهرة فى رحلة أوروبية سريعة، شملت فرنسا وبلجيكا، وهولندا، وبريطانيا. دعيت إلى فرنسا مع الدكتور عمار على حسن من قِبل جمعية تسمى «العلمانية للجميع» ينشط فيها ويقودها مع آخرين المهندس رزق شحاتة، والأستاذ سمير فرج، وهذه الجمعية هى التى رتبت الرحلة إلى فرنسا، حضرنا ضمن الأنشطة فى فرنسا فيلماً لمدة ساعة ونصف الساعة عن الإخوان المسلمين باللغة الفرنسية، وهو ملخص لكتاب بعنوان: Le Frere Musliman للباحث ميكائيل برازان، وطلب المنظمون من الدكتور عمار على حسن، ثم منى التعليق على الفيلم. أجاد الدكتور عمار كعادته، فى نقد الفيلم نقداً علمياً وفى نقاط محددة، وأعتقد أنه سيكتب بنفسه مقالاً أو عدة مقالات عن وجهة نظره فى الرحلة، وفى الفيلم كجزء من الرحلة.
كان محتوى الفيلم ضعيفاً نظراً لحصر اللقاءات الشخصية فى المرشد السابق محمد مهدى عاكف، والدكتور محمود حسين، والدكتور محمود غزلان، والشيخ راشد الغنوشى، والأستاذ جمال البنا، شقيق الإمام الشهيد حسن البنا، رحمهما الله تعالى.
حصر المؤلف الخلاف بين عبدالناصر، والإخوان فى عهد الهضيبى، رحمهما الله تعالى فى حجاب المرأة، وهذا تبسيط للخلاف، لأن الخلاف كان عن قضيتين، القضية الأولى تحكيم الشريعة الإسلامية، والقضية الثانية بشأن الوزراء من الإخوان المسلمين، وهذا يحتاج لتفصيل واسع لا يحتمله هذا المقال.
اتهم الفيلم الإخوان المسلمين بقتل السادات، وهذا خطأ شنيع، حيث اشترك فى قتله بعض أعضاء جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، واتهم الشيخ عبدالله عزام، رحمه الله، بالموافقة على إنشاء القاعدة، وأنا أعرف يقيناً أن الشيخ عبدالله عزام لم يوافق أصلاً على مشروع القاعدة، وقام بعض السفهاء بتكفيره واستحلال دمه. وكذلك خلط الرجل بين أعمال جبهة الإنقاذ العنيفة فى الجزائر بقيادة عباس مدنى، والشيخ على بلحاج، وبين حمس -حركة مجتمع السِلم- التى لم يشارك أعضاؤها فى العنف بسبب حكمة قائدها الشيخ محفوظ نحناح، رحمه الله تعالى والجميع، رحمة واسعة.
ذكر المؤلف كذلك أن حسن الترابى لم يوافق على أن تنفرد القاهرة بالقرار النهائى على مستوى العالم بشأن التنظيم العالمى للإخوان المسلمين، وانسحب سنة 1992، والحقيقة التى أعرفها أن حسن الترابى اختلف مع قيادة الإخوان «الأستاذ عمر التلمسانى» فى أوائل 1981 فى اجتماع شهير فى لندن، ولم يقبل أصلاً فكرة المشروع العالمى للإخوان المسلمين.
أخطأ المؤلف فى تقدير نظرة حسن البنا للحركة الصوفية، ولم يدرك جيداً أن حسن البنا نشأ فى الطريقة الحصافية، وكان يفرق بين الطرق الصوفية، وبين الحقيقة الصوفية، فالطرق تتخذ زياً معيناً وأحياناً لوناً معيناً وأذكاراً معينة، وبعض اجتماعاتهم واحتفالاتهم لا تخلو من سلبيات باسم الدين ولا علاقة لها بالدين، أما الحقيقة الصوفية فتركز على تزكية النفس، والقيم العظيمة، وخصوصاً التجرد والزهد والتخفف من الحياة المادية بكل أنواعها. وكان حسن البنا يرى أن دعوة الإخوان تضم فى معانيها الحقيقة الصوفية، بمعنى أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب فى الله، والارتباط على الخير.
كما جاء فى الفيلم، أنه ليس هناك فرق كبير بين السلفية والإخوان، والحقيقة أن حسن البنا كان يرى أن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، بمعنى أنها تلتزم بالقرآن والسنة وعمل السلف الصالح، أما اليوم، فهناك سلفية مثل ألوان الطيف وبعضها يميل أو يقع فى التكفير، وهذا ليس منهج السلف، رضى الله عنهم وأرضاهم.
ذكر المؤلف أيضاً أن سيد قطب انضم إلى الإخوان بعد عودته من أمريكا، ليطبق مشروع وأفكار حسن البنا رحمهما الله تعالى، وخصوصاً الجهاد العنيف، كما جاء فى الترجمة العربية للفيلم، وهذا خلط بين اتجاهين أو مشروعين، كل منهما له سماته وخصائصه وأساليب تنفيذه أو الوصول إليه، ولم يكونا مشروعاً واحداً، كما ذكر المؤلف أن القاعدة تأثرت ببعض أفكار سيد قطب، وهذا صحيح إلى درجة كبيرة. أنا لم أتعرض لهذا النقد من باب الدفاع عن شخص أو حركة، ولكن من باب الدفاع عن حقائق التاريخ.
مع الأسف الشديد، غضب المؤلف -ربما لصغر سنه- وخرج من المؤتمر، ولكنه عاد بعد قليل لاستكمال الحوار، ربما تحت ضغط المنظمين، وقد استخدم بعض الحضور فى أسئلتهم أو تعليقاتهم ألفاظاً لا علاقة لها بالنقد الموضوعى أو العلمى، ولكنها ذكرتنى أحياناً باستخدام لفظ «الجزمة» فى بعض حوارات إعلامية فى مصر، مما يفقدها الدقة والإنصاف والموضوعية، والله الموفق.