م الآخر| الدنيا في سن الشيخوخة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي اللهم وسلم على خاتم المرسلين وبعد..
يبدو لي أن الدنيا في سن الشيخوخة بإيجاز من المقارنة التالية، فالإنسان في طفولته تكون نسبة البناء في جسده أكبر بكثير من نسبة الهدم، ويظهر ذلك في سرعة التآم الجروح وتقل نسبة البناء للهدم كلما تقدم الإنسان في العمر مرورا بالشباب وحتى الوصول للشيخوخة، حيث يقل البناء بالنسبة للهدم في الجسم فتصعب التآم الجروح ويأخذ ذلك وقتا طويلًا حتى يصل الإنسان للهرم حيث لايستعيد الجسم مايفقده.
ومن هنا وإذا وضعنا جسم الدنيا تحت عدسة التاريخ، نلاحظ توالي حالات الدنيا ومراحلها في سياق شديد التشابه بجسم الإنسان، حيث كانت بداية الإنسان كخليفة في الأرض للبناء والتعمير قبل أن يستطيع عدوه الأول (الشيطان) أن يقنعه بأن تسليحه ضد أخوه الإنسان أهم من البناء، حتى وصلنا لما نحن فيه من أسلحة تدمر مدنًا في لحظات.
واستعراضًا للتاريخ نجد بداية الدنيا مع قوم نوح وعاد وثمود والفراعنة، ومن قبلهم آدم عليه السلام نجد أنهم كانوا يبرعون أكثر مايبرعون في البناء وتعمير في الأرض أكثرماعمرنا بكثير، ورغم عقباتهم المختلفة وتقلب ظروف الأرض تركت لنا أثارهم شاهدة على ماعمروه ومعجزة لنا في أحيان أخرى، فكانت طفولة الدنيا يحمل فيها الإنسان قدرة على بناءها ولا يملك من قدرات التدمير أكثر من المنجل، فما يبنيه في شهر إذا أراد تدميره يأخذ شهور.
ثم مرت الدنيا بشبابها، فتألق العلم في بناءها وبناء راحة الإنسان حتى اخترعت المتفجرات وبدأت تزداد قدرة الانسان التدميرية، وبدء الهدم يعادل البناء وبدأت أثار الشيخوخة وصولًا إلى يومنا هذا، حيث وصل الإنسان لأسلحة الدمار الشامل، وأصبح يدمر في دقائق مايبنيه في سنوات، وأخشى ونحن في شيخوخة دنيانا أن نصل لهرمها، حيث لا نستطيع إصلاح ما نُدمر ولا استرجاع مانفقد، وأخشى أيضًا أن تكون حربًا بأسلحة لا يستطيع الأحمق الذي يقرر استخدامها تحمل تبعتها فلقد خلق الله لكل داء دواء إلا "الحمق" و"الهرم".