شهيد "مزلقان سمالوط".. العائل الوحيد لوالدته وكان يستعد للزواج
والد "إسلام" كان يعمل ملاحظ بلوك وتوفِّي أثناء العمل
«إسلام» بطل مزلقان سمالوط
مع الساعات الأولى من مساء الجمعة الماضى، ارتدى إسلام سيد أحمد عثمان معطفه، وغادر الشاب العشرينى منزله المتواضع بمساكن العاملين بالسكة الحديد فى مدينة المنيا، متجهاً إلى مركز سمالوط، لتسلُّم ورديته الليلية، حيث يعمل خفيراً على مزلقان «المعصرة»، كان البرد والصقيع يجلدانه على وجهه حتى حلول الفجر، وعندما دقت الساعة الخامسة والربع صباحاً، فوجئ بأحد الأشخاص يهم بعبور المزلقان المغلق، دون الانتباه لمرور القطار، وبين طرفة عين وانتباهتها، سارع «إسلام» لإنقاذ الرجل، وقام بدفعه بعيداً عن طريق القطار، وقبل أن يلتفت عائداً إلى النقطة التى انطلق منها، كان هناك قطار آخر قادم من الاتجاه المقابل، حوَّله إلى أشلاء، ليستشهد الشاب ثمناً لشهامته وبسالته.
«كان هيخطب بنت الحلال خلال أسبوع»، قالها أحمد سيد، 30 سنة، يعمل بشركة قطاع أعمال فى سوهاج، وهو الشقيق الأكبر لـ«إسلام»، عامل المزلقان الذى ضحَّى بحياته لإنقاذ شخص لا يعرفه من موت محقق، مؤكداً أن شقيقه الراحل من مواليد عام 1993، وتوفى عن عمر 27 سنة، وانضم للعمل بهيئة السكك الحديدية بوظيفة خفير مزلقان، بعد حصوله على دبلوم صناعى متقدم، مشيراً إلى أنه العائل الوحيد لوالدته التى تقيم معه فى منزلهما البسيط بمساكن العاملين بالسكة الحديد، الملاصقة لمحطة قطارات المنيا من الناحية الجنوبية، وكان قد طلب من أسرته قبل نحو أسبوعين مساعدته فى شراء غرفة «أنتريه»، ليبدأ التجهيز لزواجه، غير أن القدر لم يمهله حتى يفرح بعرسه.
وأضاف «أحمد» أن أسرته مكونة من 5 أشخاص، بينهم بنتان والأم، مشيراً إلى أن إحدى شقيقتيه أقيم لها حفل زفاف قبل نحو أسبوعين، وحضره «إسلام» رغم أنه تقدم بطلب إجازة من عمله وتم رفضه، موضحاً أنه بدأ العمل بالسكة الحديد عام 2015، كفرد أمن بشركة متعاقدة مع الهيئة، ونظراً لوجود عجز فى عمال المزلقانات، وقع عليه الاختيار للحصول على دورة تدريبية مدتها 15 يوماً، بمعهد «وردان» على خط «المناشى»، تؤهله للوظيفة، مقابل راتب شهرى 832 جنيهاً، وكان يعمل بنظام المناوبات منذ تسلُّمه عمله الجديد قبل نحو عام، إذ يتولى السهر لمدة شهر بمزلقان «المعصرة»، بمركز سمالوط، وشهرين بمزلقان «المنصورة» بمدينة المنيا، ولم يحصل على أى حوافز أو مميزات من عمله الجديد، إذ إنه كان يعامل على اعتبار أنه يتبع شركة الأمن، رغم أنه يقوم بمهام عمله على أكمل وجه.
الأسرة تطالب بتعيين شقيقه فى هيئة السكة الحديد
ولفت شقيق «إسلام»، الذى يوصف بـ«بطل مزلقان سمالوط»، إلى أن والدهما كان يعمل بهيئة السكك الحديدية فى وظيفة «ملاحظ بلوك»، بمدينة المنيا، وقد توفى أثناء وجوده على رأس عمله فى عام 2012، جراء تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، تم نقله على أثرها إلى المستشفى، ولكنه فارق الحياة فى الطريق إلى المستشفى، وتولى «إسلام» رعاية والدتهما، التى أصبحت تعيش بمفردها الآن بعد رحيل ابنها الأصغر، وطالب هيئة السكة الحديد بتكريم شقيقه، الذى قدم عملاً بطولياً، وأن يتم تعيينه بالهيئة بعد وفاة شقيقه، حتى يتمكن من أداء رسالته فى رعاية والدتهما، بعد أن تغيرت ظروف الأسرة بوفاته، حيث إنه يسافر إلى عمله بسوهاج، ويمكث بها لفترات طويلة، واختتم بقوله: «حتى الآن، لم نتلقَّ أى اتصال من هيئة السكة الحديد، للتعزية فى وفاة شقيقى».
وقال هشام أحمد، 25 سنة، جار وصديق «إسلام»، إنه كان دمث الخلق، وشديد التدين، يتصرف برجولة فى كل المواقف، ويحب مساعدة الآخرين، كما كان يتميز بالانضباط فى العمل، والالتزام بمواعيد الحضور والانصراف، وكان دائماً ما يتدخل لحل مشكلة الاختناقات المرورية أمام المزلقان، الذى يشهد زحاماً شديداً، نظراً لوقوعه فى منطقة تضم أعلى كثافة سكانية ومرورية بمدينة سمالوط، وأضاف أنه فى آخر مرة التقى فيها «إسلام»، أثناء حفل زفاف شقيقته قبل أسبوعين، أبلغه بأنه يبحث عن فتاة لخطبتها، معرباً عن رغبته فى الزواج لمساعدة والدته، خاصةً أنه انتهى من تشطيب شقة للإقامة بها مع شريكة حياته، كما أبلغه بأنه تقدم بطلب إجازة لحضور فرح شقيقته، ولكنه قوبل بالرفض.
وكان مدير أمن المنيا، اللواء محمود خليل، قد تلقى إخطاراً من عميات النجدة، بمصرع خفير مزلقان «معصرة سمالوط» فى شمال المحافظة، وتبين أن القطار صدمه أثناء محاولته إنقاذ أحد المواطنين، فجر السبت الماضى، وأصدرت هيئة السكك الحديدية بياناً ذكرت فيه: «فقدت الهيئة فجر السبت 15 فبراير، أحد أهم مواردها البشرية، وقوتها الانضباطية، إسلام سيد أحمد، خفير مزلقان معصرة سمالوط، فبعد أن تم التجهيز الآمن لمرور القطارين 185 و832، وتطبيق العاملين للوائح، وغلق المزلقان المطور، وتشغيل أجهزة التنبيه والحماية، حاول أحد المواطنين مخالفة ذلك كله، والعبور من المزلقان وهو مغلق ومعد لاستقبال القطار، رافضاً الاستجابة لأى تنبيهات، أو الانتظار لدقائق حرصاً على سلامته، مما عرض حياته للخطر، الأمر الذى دفع خفير المزلقان الشاب لإنقاذه، ودفع حياته ثمناً لشجاعته، إذ اصطدام به القطار 185 ودهسه فى الحال»، وتضمن البيان أن رئيس هيئة السكك الحديدية، المهندس أشرف رسلان، نعى «شهيد الواجب»، وناشد المواطنين ضرورة اتباع تعليمات السلامة عند عبور المزلقانات، حفاظاً على حياتهم وحياة الآخرين من الأبرياء، الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم رجال يؤدون عملهم على أكمل وجه.