م الآخر| عبدالحليم حافظ في ذكري رحيله الـ37.. شكراً
أمتعنا بصوته العذب،و جعل للكلمات جسدا وللموسيقى روحا، ترك لنا تراث حافل من أغانيه التي كلما نسمعها نتمنى أن يعود بنا الزمن إلى الوراء لنعيش في عصره وندرك زمن الفن الجميل.
إنه مايسترو الرومانسية وملك الإحساس والطرب، إنه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
نعيش هذه الأيام الذكرى الـ37 لرحيل حليم.
لا تدري ما الذي يجذبك لسماع صوته؛ أهو صدق الإحساس أم دفئ نبرة صوته أم الشجن المترنح على صوته.
لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية
هو عبد الحليم علي شبانة، ولد في ٢١ يونيو ١٩٢٩؛ توفيت والدته بعد أيام من ولادته، ولحق بها والده قبل أن يمر عام على ولادته. لذلك فقد عانى مرارة اليتم منذ صغره؛ و كان هو الأخ الأصغر من أربعة أخوة؛ هم إسماعيل و علية و محمد؛ و قد تولى خاله مسئولية تربيته هو و إخوته بعد وفاة الأم و الأب. اكتشفه الإذاعي حافظ عبد الوهاب، لذا سمي بعد ذلك «عبد الحليم حافظ». عشق الموسيقى فعشقته، وأعطاها من روحه فأكسبته محبة غير عادية من جمهوره؛ استمرت حتى بعد رحيله.
ظلموه
كان حليم صاحب الحظ الأكبر من الإشاعات وذلك لنجاحه الساحق، و لكن أشدها قسوة هي شائعة أن مرضه كان تمثيل و إدعاء منه ليكسب عاطفة الجمهور، و لكن حليم كان مريضا بالفعل. فالمعروف أنه مرض بالبلهاريسيا ثم لوحق بتليف في الكبد الذي كان السبب في وفاته. وقد أجرى حليم طوال حياته ما يقرب من واحد وستين عملية جراحية!
أعز الناس حبايبنا
كان الملحنان كمال الطويل ومحمد الموجي أعز أصدقائه وأقربهم إلى قلبه، بجانب مثله الأعلى الموسيقار محمد عبد الوهاب، و صديقه الحميم مجدي العمروسي، و صحبة قيمة من فنانين و أدباء مصر في ذلك الوقت مثل صلاح جاهين و كامل الشناوي و إحسان عبد القدوس و عبد الرحمن الأبنودي. كما جمعته صداقة قوية مع محمد حمزة و بليغ حمدي و تعاون الثلاثة لتقديم أفضل و أنجح أغاني حليم مثل موعود و زي الهوا و أي دمعة حزن لا و حاول تفتكرني؛ و قد قيل عن الأخيرة أنها أفضل ما قدم بليغ حمدي على الإطلاق وأن بليغ حمدي لو لم يلحن شيئا بعدها في حياته، فتكفيه المقدمة الموسيقية التي لحنها لهذه الأغنية.
عدى النهار
قدم عبد الحليم حافظ العديد و العديد من الأغاني الوطنية بعد ثورة ٢٣ يوليو و التي تميزت بصدق الإحساس و الروح الوطنية مثل أغاني: أحلف بسماها و بترابها، بالأحضان، فدائي، حكاية شعب، صورة، و المسيح. و تعد أغاني «عدى النهار» و «عاش اللي قال» و «صباح الخير يا سينا» هم أشهر أغاني حليم الوطنية إذ أنه غنى الأولى بعد نكسة ١٩٦٧م و كان لها تأثيرا عميقا على نفوس المصريين، و الثانية هي أول أغنية يغنيها للرئيس أنور السادات، و قد غناها بعد انتصار أكتوبر 1973، و الأخيرة كانت آخر أغنية وطنية جمعت بينه وبين صديق عمره الملحن كمال الطويل.
حبيبتي من تكون
المعروف عن حليم أنه أحب امرأة من خارج الوسط الفني في بداية حياته الفنية؛ و لكن شاء القدر أن تموت بسبب مرضها لتنهي مصير هذه العلاقة. و لا زالت الشائعات حتى الآن تفرض أنها كان متزوج من الفنانة الراحلة سعاد حسني لمدة خمس سنوات، و لكن هذا الكلام لم تثبت بعد صحته من عدمها و الله وحده أعلم. و بالنسبة لأغنية «حبيبتي من تكون» فلها قصة؛ حيث أن تم تسجيلها في الإذاعة و تم إذاعتها بعد وفاة حليم بعد أن أضاف بليغ حمدي لها المقدمة الموسيقية؛ لتبقى الأغنية التي فقدت صاحبها.
صدفة
تصادف أن تكون أول أغنية و آخر أغنية يغنيهما عبد الحليم حافظ، من ألحان صديق عمره محمد الموجي. فالأولى «صافيني مرة» غناها عبد الحليم لأول مرة في الاسكندرية؛ و لكن نظرا لعدم اعتياد الناس على تلك الموجة الجديدة من الأغاني، فقد قوبلت بهجوم شديد أسلحته هي البيض و الطماطم! و لكنها كانت بداية لميلاد صداقة تجميع بين مطرب أسطوري و ملحن عبقري. أما الأخيرة «قارئة الفنجان» فقد قوبلت هي الأخرى بضجة من قبل مجموعة من المشاغبين الذين قاموا بالتصفير و الشوشرة على غناء حليم مما سبب غضبه الشديد إذ أنه في ذلك الوقت كان قد اشتد عليه مرضه و كان لا يتحمل المزيد من التوتر. و كانت هي آخر أغانيه على المسرح و أسدل بعدها الستار علي حياته للأبد في يوم ٣٠ مارس1977 الذي شهد حزنا خيم على مصر و الوطن العربي من ضمن ظواهره انتحار الفتيات بعد سماعهم خبر وفاة العندليب.
موال عاشق بقيت موال و قصتي بتتقال
تسابق جميع الفنانين لنيل شرف بطولة عمل عن قصة حياة العندليب، فتحامل الفنان أحمد زكي على نفسه و هو في أشد لحظات مرضه ليقدم فيلم «حليم»، كما قدم الفنان شادي شامل مسلسل «العندليب..حكاية شعب» الذي يحكي أيضا قصة حياة العندليب. و من قبلهم قدمت الفنانة ميرفت أمين في فيلم «زوجة رجل مهم» إهداءا لروحه شخصية متأثرة برومانسية حليم، و في هذا الفيلم مشهدا حقيقيا لجنازة العندليب .و قد تغنى معظم فناني مصر بأغانيه، و حتى الآن أغانيه هي الأكثر سماعا بين المصريين و العرب. فهو الحاضر الغائب السابق لعصره الذي استمتعت جميع الأجيال بأغانيه. رحم الله من أعطى لفنه من روحه وصحته ليقدم لجمهوره تراثا يبهر كل من يسمعه. عبد الحليم حافظ .. شكرا.