رئيس "بحوث هيرميس": مصر نفذت برنامج الضبط المالى بمنتهى الاحترافية.. والخطوة التالية "الإصلاح الهيكلى"
الدكتور أحمد شمس الدين
قال رئيس قطاع البحوث فى المجموعة المالية «هيرميس»، أحمد شمس الدين، إن الحكومة نجحت فى تنفيذ برنامج الضبط المالى، الذى بدأته فى 2016، باحترافية، وحان الوقت للبدء فى الإصلاحات الاقتصادية، مضيفاً أن تطبيق هذا البرنامج لضبط الاختلالات المالية، مثل سعر صرف الجنيه، وتقليل عجز الموازنة، كان حتمياً وبدونه «لو حاولنا لمائة عام أن نقنع المستثمرين أن يأتوا إلينا فلن يأتوا».
وأكد خبير التمويل، فى حوار لـ«الوطن»، أننا نحتاج إلى رفع معدل النمو لـ8%، وحتى يتحقق ذلك لا بد من الوصول بمعدل الاستثمار إلى 25% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بـنحو 14% حالياً، موضحاً أن مصر لم تكن منذ سنوات بلداً جاذباً للاستثمار، بسبب ارتفاع التكلفة غير المباشرة للاستثمار، التى تتمثل فى الفساد والبيروقراطية، والتى يتطلب القضاء عليها التوسع فى تقديم الخدمات إلكترونياً، حتى نمنع التقاء الموظف بالمستثمر.
وأوضح أن التحدى الحقيقى الرئيسى أمام الاقتصاد المصرى الآن، يتمثل فى زيادة معدل الادخار المحلى، ورفع العائد على رأس المال، وإزالة المعوقات أمام المستثمر المحلى والأجنبى، مؤكداً أنه لا بد من رفع قدرات الشباب وتدريبهم على التكنولوجيا الحديثة، لأنه «لو الشباب وقف على حيله مصر ستكون فى منزلة أخرى تماماً».. إلى نص الحوار:
مع قرب انتهاء برنامج الإصلاح، لا يزال السؤال مطروحاً: هل الحكومة تسير فى الاتجاه الصحيح؟ وإذا كانت كذلك فلماذا يعانى المواطن؟
- أى برنامج إصلاح له شقان، الأول مالى، والآخر اقتصادى، والبرنامج الذى بدأ فى نوفمبر 2016 كان فى مجمله برنامجاً لضبط الأوضاع المالية، أى سعر الفائدة، وسعر الصرف، وعجز الموازنة، وعجز الحساب الحالى، وهذا البرنامج من الناحية الفنية تم بمنتهى الحرفية، مع التسليم طبعاً أنه أرهقنا جميعاً، لكنه كان حتمياً، والمرحلة المقبلة هى مرحلة الإصلاحات الاقتصادية، التى تعنى إصلاح منظومات الاستثمار، والأجور والمعاشات، والتعليم والصحة، إلخ، لكن لم يكن من الممكن الحديث عن أى إصلاحات اقتصادية قبل ضبط الأوضاع المالية أولاً.
بدون تصحيح سعر الصرف لو حاولنا 100 سنة فلن يأتى المستثمرون.. ولم نجذب الشركات بسبب "البيروقراطية"
وما أهمية ضبط الوضع المالى كمقدمة للإصلاح الاقتصادى؟
- بدون ضبط الأوضاع المالية لن تأتيك استثمارات، وإذا لم تأتك استثمارات لن يتحقق النمو. هدف أى حكومة تحقيق دخل أعلى حتى تتحسن معيشة المواطن، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بزيادة الاستثمار المحلى والأجنبى. والاستثمار المحلى لا يكفى لأنه مرتبط بمعدل الادخار الذى هو محدود جداً، يبقى الاستثمار الأجنبى الذى كان عازفاً عن الحضور إليك بسبب اختلالات مالية واضحة، منها سعر صرف الجنيه، الذى كان مقوماً بأعلى من قيمته بكثير، وفى وضع كهذا لو حاولت لمائة عام أن تقنع المستثمرين أن يأتوا إليك فلن يأتوا، تخيل لو حضر مستثمر قبل 2016 وحقق أرباحاً قدرها 20% بالجنيه المصرى، ثم عند التخارج تراجع الجنيه بنحو 50%، هذا يعنى أنه خسر 30%، فلماذا كان سيخاطر بالاستثمار فى بلد يعلم أهله قبل الأجانب أن سعر عملته وقتها كان وهمياً، والجميع فى حالة ترقب لقرار يصدر من البنك المركزى فى أى لحظة لعلاج هذه الخلل؟
إلى أى حد نجحت الحكومة فى تنفيذ هذا البرنامج؟
- الحكومة نجحت فى تحقيق الضبط المالى بشكل ممتاز، من خلال ضغط الإنفاق وتقليل الدعم وزيادة الموارد فى صورة رسوم وضرائب إضافية، مثل «ضريبة القيمة المضافة»، والأرقام تؤكد هذا النجاح بموضوعية، مثلاً هناك تحسن كبير جداً فى السياحة، التى قفزت إيراداتها من 3 مليارات خلال العام المالى 2012- 2013، إلى 12 مليار دولار العام 2018، رغم توقف السياحة الروسية، التى كانت تدر وحدها نحو 2.5 مليار، ما يعنى أن السياحة يمكن أن تصل عوائدها لنحو 16 مليار دولار قريباً، وكيف نجحنا فى ذلك؟ بمجهود كبير فى حل مشكلة الأمن، الذى هو بكل تأكيد أفضل بكثير جداً الآن مما كان عليه فى السنوات التالية لثورة 25 يناير.
كما تراجع عجز الموازنة العامة لـ8% من الناتج المحلى، اليوم، مقابل نحو 17% خلال العام المالى 2012/2013 بسبب زيادة الأجور والدعم، وحققنا فائضاً أولياً الآن يقترب من 2% مقابل عجز أولى بلغ نحو 8% وقتها، وتراجع عجز الحساب الحالى من ١١ إلى ٥ مليارات دولار الآن، والنتيجة تقلص الفجوة المالية للدولة (عجز الحساب التجارى مضافاً إليه الالتزامات المالية بالدولار على الدولة فى فترة زمنية ما) من نحو 30 ملياراً فى العام 2013 لنحو 15 مليار دولار فى العام المالى 2019- 20120، واستقر سعر الجنيه، وكانت التوقعات أن يصل الدولار إلى 25 جنيهاً، الآن التوقعات أقل بكثير، و«هيرميس» مثلاً تتوقع أن يسجل الدولار متوسطاً قدره 17.10 جنيه فى العامين المقبلين.
ماذا تعنى هذه الأرقام للمواطن العادى؟
- تراجع العجز يعنى فرصة أكبر لتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وعلى رأسها الصحة والتعليم والتدريب المهنى، كما أنه يعنى تراجع حاجة الحكومة للاستدانة.
والحكومة تستدين من مدخرات الناس فى البنوك، وحين تقلل استدانتها تتوافر سيولة أكبر للقطاع الخاص بسعر فائدة أرخص، ما يعنى أن الاقتصاد الحقيقى يبدأ: استثمارات ومشاريع وفرص عمل وتحسن فى مستوى معيشة المواطن.
وما سبب عدم شعور المواطن بتراجع العجز حتى الآن؟
- لأن معدل الفائدة ما زال عالياً جداً، ما يرفع من تكلفة التمويل ويقلل من جاذبية الاستثمار فى مصر، لكن المؤكد أن الفائدة ستنخفض قريباً.
هل للأوضاع السياسية دور فى جذب المستثمرين؟
- المستثمر الأجنبى يهتم بأمرين فى الأساس: العائد على رأس المال والاستقرار، وحتى يتم ذلك لا بد من وضع أمنى مطمئن وسعر عملة مستقر، وسعر العملة لن يستقر إذا كانت هناك فجوة تمويلية كبيرة.
التحدى الرئيسى أمام الحكومة إطلاق قوى القطاع الخاص
ما الخطوة المقبلة؟
- ما نحتاجه الآن هو عودة العملية الإنتاجية مرة أخرى وتوطين التكنولوجيا، أى إن الإصلاح الهيكلى هو الخطوة التالية، وهو بطبيعته صعب وطويل الأمد، وربما يكون التحدى الرئيسى الآن أمام الحكومة هو كيف تنجح فى إطلاق قوى القطاع الخاص، وحتى تنجح فى ذلك لا بد من خفض تكلفة التمويل (وهذا سوف يحدث فى القريب العاجل بخفض سعر الفائدة، لأنه لا يمكن للاقتصاد أن يزدهر مع استمرار أسعار الفائدة الحالية)، وخفض التكلفة غير المباشرة للاستثمار (من خلال إنجاز الخدمات إلكترونياً لمحاربة الفساد والبيروقراطية)، الأمر الذى سيزيد العائد على رأس المال بشكل يغرى المستثمر المحلى أولاً لضخ استثمارات جديدة، ويفتح الطريق للاستثمارات الأجنبية.
نمتلك مزايا كبيرة فى قطاع الخدمات بقيادة السياحة واللوجيستيات وتجارة التجزئة
أى القطاعات التى يجب أن تحظى بالاهتمام والأولوية فى رأيك؟
- كنت وما زلت مقتنعاً بأن مصر تمتلك مزايا كبيرة فى قطاع الخدمات، وعلى رأسها السياحة واللوجيستيات وتجارة التجزئة، وأعتقد أن قطاع التكنولوجيا ونشاط التعهيد وتحديداً علم البيانات هو البترول الجديد، ويجب أن يكون لدينا مليون مبرمج.. لو لدينا مليون مبرمج وعالم بيانات على مستوى دولى ومدربون تدريباً مهنياً رفيعاً، ستدر علينا صناعة التعهيد والبرمجيات وقطاع التكنولوجيا دخلاً هائلاً، وأعتقد أننا قادرون على الوصول بعوائدنا من نشاط الكول سنتر وتعهيد الاتصالات وحده، من نحو 1.5 مليار دولار إلى 6 مليارات دولار.
نحتاج مليون مبرمج ونستطيع تصدير خدمات التعهيد للعالم كله.. و"الشباب لو وقف على حيله البلد هتتغير"
هل نستطيع أن يكون لدينا مليون مبرمج جيد المستوى؟
- نستطيع ذلك 100%، سأحكى لك قصة حقيقية طريفة: اشترت شركة أعرفها مؤخراً برنامجاً لتحليل بيانات من شركة عالمية بـ150 ألف دولار، ثم اكتشفت أن شابين مصريين «على القهوة» ابتكرا برنامجاً يؤدى الغرض نفسه بـ15 ألف جنيه مصرى فقط، العيب الوحيد فى هذا البرنامج هو أن «الإنترفيس» سيئ، وهذا يمكن تطويره بأقل من 5 آلاف دولار فقط، لو أن هناك اهتماماً بهذا المجال، وظهرت شركات تستوعب هؤلاء الشباب، مصر تستطيع أن تصدر خدمات التعهيد للعالم كله، لو أن شباب هذا البلد وقف على حيله مصر ستكون فى منزلة أخرى تماماً.
لكن ألا تتفق مع بعض الاقتصاديين، الذين يحذرون من الاعتماد المفرط على الخدمات على حساب إنتاج السلع الحيوية والأساسية فى مجالى الزراعة والصناعة؟
- لا يوجد تعارض، حماسى لقطاع الخدمات لا يعنى أبداً أن يكون ذلك على حساب أى قطاعات إنتاجية أخرى، صادراتنا من السلع الآن تبلغ 22 مليار دولار فقط، ما يعنى أن كل عامل يساهم فى التصدير بنحو 700 دولار فقط، مقارنة بـ1500 لكل عامل فى المغرب، و10 آلاف دولار لكل عامل فى إسرائيل، وهذه فروق ضخمة لغير صالحنا، ونحن فى حاجة للتصدير، لكن ليس تصدير مواد خام، إنما منتجات ذات قيمة مضافة، سواء فى السلع أو الخدمات.
نحن قادرون على الوصول بعوائدنا من "الكول سنتر" و"تعهيد الاتصالات" إلى 4 أضعاف العائد الحالى
ما أقوله أن الاهتمام بقطاع التكنولوجيا سيساهم أيضاً فى جذب المنتجين فى قطاعات مختلفة، فلو أن مصر نجحت فى التوسع أكثر وأسرع فى خدمات التعهيد سواء فى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أو الصناعات التحويلية المختلفة، وأقامت مراكز لعلوم البيانات مع أكبر الجامعات والمراكز العالمية، سينعكس هذا إيجابياً على الاقتصاد بشكل أكبر وأسرع مما تتخيل.
كل هذا لا يمنع من أن نقول إن لدينا أيضاً فرصاً ومزايا تنافسية كبيرة فى قطاع السياحة مثلاً، وهناك أماكن رائعة غير مستغلة خلاف شرم الشيخ والغردقة والقاهرة والأقصر وأسوان.
تأهيل "سانت كاترين" كمقصد سياحى يدر علينا مليارات الدولارات
لست متخصصاً فى السياحة، لكن سانت كاترين على سبيل المثال مكان بديع ولا نظير له فى العالم، لم أجد فى كل أسفارى مكاناً به مثل هذه الطاقة الإيجابية النورانية، فهو ملتقى للأديان الإبراهيمية حيث الدير والشجرة المباركة يظلهما جبل موسى.
وحقاً لا أعلم كيف لهذا المكان وحده ألا يكون قبلة لملايين السائحين سنوياً، أعتقد أنه ببعض الاستثمارات فى البنية التحتية، يمكن لسانت كاترين أن تدر مليارات الدولارات سنوياً.
"علم البيانات" هو البترول الجديد.. ومصر سوق استهلاكية كبيرة والتصدير أولوية مطلقة
إذاً فأنت ترى ضرورة التوجه للإنتاج سواء سلع أو خدمات للتصدير وليس للطلب المحلى؟
- التصدير أولوية مطلقة بلا شك. نعم مصر سوق استهلاكية كبيرة، حيث يمثل الاستهلاك المحلى الخاص أكثر من ٨٢٪ من إجمالى الناتج المحلى، بينما يقف الاستثمار دون الـ١٠٪، لكن إذا أردنا نمواً تشاركياً لمكافحة البطالة ورفع مستوى المعيشة والدخل القومى، يجب أن يمثل الاستثمار ٢٥٪ من الناتج المحلى على الأقل، وأن يقل عجز الميزان التجارى، حيث تفوق وارداتنا الصادرات بنحو ٤٠ مليار دولار، إلى النصف، فهذا كفيل بمعالجة الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد، خاصة إذا تم الاستثمار بالتوازى فى العنصر البشرى لملء الفراغ المتزايد فى المهارات المطلوبة لسوق العمل، فالطفرة التكنولوجية التى يعيشها العالم أثرت وسوف تؤثر فى شكل الوظائف والمهارات الأساسية للتوظيف، هل تعلم أن نحو ٣٠٪ من توظيف شركات التكنولوجيا العالمية مؤخراً مثل أبل وجوجل فى الولايات المتحدة كان لشباب غير حاصل على شهادات جامعية؟ هل تعلم أن وظيفة عالم البيانات، مثلاً، هى الأعلى دخلاً فى العالم حالياً؟ لقد تطورت الوظائف والمهارات الأساسية لسوق العمل ويجب علينا استخدام اللغة التى يتحدث بها العالم.
لكن ما هى القطاعات التى ترى أنها أولى بالاهتمام؟
- لدى وزارتى الصناعة والاستثمار أولويات مفصلة للقطاعات الاقتصادية والمشروعات المطروحة للمستثمرين، لكن مشكلة مصر ليست «أستثمر فين فقط، لكن كيف ومن أين آتى بالتمويل لهذه الاستثمارات يعنى بكام ومنين؟».
افترض أننا تساوينا مع منافسينا فى التكنولوجيا، من أين نأتى بمليارات لتمويل الاستثمارات المطلوبة؟ نحن نحتاج لمعدل نمو لا يقل عن 8% لعدة سنوات، وحتى يتحقق هذا نحتاج لمعدل استثمار قدره نحو 25% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بنحو 14% حالياً.
الطريق لملء هذه الفجوة يتم عن طريقين: إما الاستثمار المحلى أو الأجنبى. الاستثمار المحلى محدود لأنه مرتبط بمعدل الادخار المحلى غير الكافى، والاستثمار الأجنبى لن يأتى قبل أن يرى أهل الدار يبادرون بالاستثمار. وهذا يعيدنا مرة أخرى للتحدى الرئيسى أمام الاقتصاد المصرى ألا وهو زيادة معدل الادخار المحلى، ورفع العائد على رأس المال، وإزالة المعوقات أمام المستثمر المحلى والأجنبى.
أكبر تَحَدٍّ أمامنا زيادة معدل الادخار المحلى ورفع العائد على رأس المال وإزالة المعوقات أمام المستثمر المحلى والأجنبى.. ونحتاج بورصة قوية جداً وفاعلة
وكيف يمكن زيادة معدل الادخار المحلى؟
- معدل الادخار المحلى مرتبط بالمستوى العام للدخول وعجز الموازنة العامة، لكن يمكن أن تكون البداية بخلق قنوات استثمارية جديدة جاذبة.
المواطن الآن لا يجد أمامه إلا الإيداع فى البنوك وشراء العقارات، أى قنوات الاستثمار نفسها المتاحة أمامه منذ 50 سنة.
نحن نحتاج لبورصة قوية جداً وفاعلة، فيها تمثيل لكل القطاعات ومشتقات مالية مناسبة، ونحتاج لإصلاح منظومات المعاشات سواء للقطاع الخاص أو العام. كل هذا من شأنه زيادة معدل الادخار، ما يعزز من الاستثمار المحلى والأجنبى بالتبعية.
بحكم موقعك وتواصلك اليومى مع مسئولى صناديق الاستثمار الأجنبية، كيف يرى هؤلاء الوضع عندنا الآن؟
- هم راضون عن الشق المالى من برنامج الإصلاح ويثمنون التزام مصر الكامل بالخطة الاقتصادية، التى تم الترويج لها من قبل.
لكن وبرغم هذا فإن أداء البورصة المصرية جاء مخيباً للآمال لأسباب عديدة منها نقص السيولة المحلية وارتفاع سعر الفائدة وافتقاد البورصة للعمق الكافى من ناحية عدد وحجم الشركات المدرجة مقارنة بالوضع فى السابق.
فكثير من القطاعات الاقتصادية ليست ممثلة بالبورصة، والتى يساهم فيها قطاعا الخدمات المالية والعقارات بالنسبة الأكبر، أما بالنسبة للاستثمار الأجنبى المباشر، فهو فى تراجع عالمى بسبب المخاطر الخاصة بالأسواق الناشئة والتوتر التجارى بين الشرق والغرب من جهة، وقد أثر هذا على حجم الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة أيضاً إلى انخفاض العائد على رأس المال نسبياً فى مصر. ورفع هذ العائد يتطلب خفض الفائدة وتقليل تكلفة الاستثمار غير المباشر من خلال التكنولوجيا والشمول المالى وحل مشكلات كل صناعة على حدة.
هل أنت مطمئن لرؤية الحكومة؟
- الحكومة لديها رؤية مفصلة للمرحلة المقبلة، لكن المشكلة ليست فى الرؤية، وإنما فى التطبيق.
لا بد أن يتعافى القطاع الخاص بسرعة، وأن يكون فى بؤرة الاهتمام.
استثمارات القطاع الخاص حالياً عند ٧٪ فقط من الناتج المحلى الإجمالى، وهى أقل كثيراً من المطلوب.
عندما تبدأ عجلة القطاع الخاص فى الدوران من جديد سأكون مطمئناً جداً.
يقولون إن مصر بلد غير جاذب للاستثمار ما رأيك؟
- تكلفة الاستثمار فى مصر مرتفعة منذ زمن طويل. والمقصود هنا تحديداً هو التكلفة غير المباشرة المتمثلة فى معوقات بيئة العمل بشكل عام. قبل 2011 كانت الدولة تعوض المستثمر عن ذلك بمدخلات إنتاج مخفضة مثل الغاز المدعم أو أراضٍ رخيصة.. إلخ.
الآن الدولة، التى تحرر أسعار السلع والخدمات، تحاول تقديم حوافز ضريبية، لكن هذا لن يغنى عن الحاجة لخفض التكلفة غير المباشرة. والطريقة الأفضل لتحقيق ذلك هى الاستفادة من التكنولوجيا والتوسع فى ميكنة الخدمات لتقليل فرص التقاء الموظف بالمستثمر.
مصر جزء من الأسواق الناشئة.. فما أوضاع هذه الأسواق الآن؟
- مصر فى وضع مالى جيد جداً مقارنة بمعظم الأسواق الناشئة، التى تعانى من اضطراب التجارة الدولية وارتفاع الديون الخارجية وتكلفتها، خاصة مع قوة الدولار.
كل هذه الدول عندها ديون خارجية كبيرة. الأتراك مثلاً اقترضوا كثيراً بالدولار، نسبة المديونات على القطاع الخاص فى تركيا تعادل 70% من الناتج المحلى الإجمالى، ولذلك أصبحت الديون الخارجية مقلقة، وانعكس هذا سلبياً على سعر صرف الليرة التركية.
وماذا عن الاقتصاد الصينى؟
- الاقتصاد الصينى رغم قوته فإنه يعانى اختلالات هيكلية بعد سنوات من الاستثمار الرهيب فى البنية التحتية للتصدير، والتى رفعت معدلات النمو إلى ١٠٪ فى المتوسط فى الفترة بين عامى 2002 وحتى 2012، قبل أن يبدأ النمو فى التباطؤ مع تشبع الطلب العالمى نسبياً وارتفاع الديون بشكل كبير خلال هذه الفترة. الاستمرار فى تحقيق هذا المعدل غير ممكن لأسباب داخلية وخارجية.
فعلى المستوى الداخلى استفادت الصين من العمالة الرخيصة القادمة من الريف واستغلتها فى تحقيق نمو كبير قائم على التصنيع من أجل التصدير.
لكن مع انتقال هذه العمالة للطبقة الوسطى، ارتفعت أجورها، ثم إن السوق العالمية تشبعت، وبالتالى ليس أمام الاقتصاد الصينى سوى التوجه للسوق المحلية، وهذه السوق تساعده فى تحقيق نمو فى حدود 3 و4% فقط، وهم يرون أن هذه النسبة غير كافية، وحتى يرفعوها تنفذ الحكومة هناك حزمة إجراءات منها تخفيض الفائدة وسعر العملة، أى نفس لعبة اليابان فى الثمانينات والتسعينات قبل اندلاع أزمة الأصول، التى لم يتعافَ منها اليابان حتى الآن.
عيون المستثمرين الآن على أمريكا اللاتينية وأفريقيا.. ومصر من أفضل أسواق القارة ولديها فرصة لتحقيق قفزة اقتصادية
وهل نستفيد نحن من ذلك أم نتضرر؟
- إذا نظرت للقوى الرئيسية فى العالم ستجد أن الصين تعانى، ومعها ستعانى أسواق شرق آسيا. فالمعروف أنه إذا سعلت بكين يمرض شرق آسيا بأكمله.
والاتحاد الأوروبى لديه مشكلة مزمنة (سياسات مالية متعددة وسياسة نقدية موحدة)، والاقتصاد الأمريكى فى أفضل حالاته لكن جزءاً من ذلك هو ضعف منافسيه.
ولذلك فإن العين على أسواق أمريكا اللاتينية وأفريقيا، ومصر مع المغرب من أفضل أسوق القارة، ما يعنى أن لدينا فرصة جيدة جداً لتحقيق قفزة.
- الصين واليابان
الاقتصاد الصينى يختلف فى أساسياته عن اليابانى، لكن يجب على الصين تقليل الدين العام (بالإضافة لإجمالى ديون الأفراد والشركات)، الذى تجاوز الـ300٪ من الناتج المحلى فى الربع الأول من العام الجارى، ومقاومة عمليات المضاربة، وسيؤدى هذا بطبيعة الحال إلى معدلات نمو أقل، وهو ما لا يقبله صانع القرار هناك. الصين تدفع النمو بمشروعات غير ذات جدوى ولديها فقاعة عقارية (هناك مدن أشباح، مدن شُيدت ولا يسكنها أحد) لكن الحكومة، التى تعتبر تجارة الأراضى المورد الأساسى لها، لن تسمح بالاعتراف بوجود مشكلة، وهناك أزمة مالية وديون متراكمة على القطاع الخاص. الصين لديها الآن فائض قدرة على الإنتاج.