زيادة سنوات الدراسة بكليات العلوم بين الرفض والقبول

طارق قابيل

طارق قابيل

كاتب صحفي

حرك قرار مجلس نقابة العلميين بالموافقة على زيادة سنوات الدراسة بكليات العلوم إلى 5 سنوات العديد من المشاعر، والكثير من الذكريات الأليمة لدى ولدى الكثير من العاملين في هذا المجال، فعندما ذهبت للولايات المتحدة لأول مرة فوجئت أن معظم أقراني الحاصلين على الدكتوراه من أمريكا واليابان والصين والهند، وبعض دول أوربا الشرقية لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا، في الوقت الذي حصلت فيه على درجة الماجستير بعد أكثر من 10 سنوات، بالرغم من أنه قد تم تكليفي معيدًا في أكبر كليات العلوم المصرية، وأعرقها، وهى كلية العلوم جامعة القاهرة، وكنت أول دفعتي، وقد كان هذا التأخير نتيجة للعديد من الأسباب والمعوقات الموجودة في جامعاتنا المصرية، والتي لا يتسع المقام هنا لذكرها. ولكن أهم ما في هذا الموضوع هو التناقض الذى يشعر به أي طالب مصري مبتعث للخارج، وتحسره على سنوات عمره التي تضيع دون أي جدوى، وما يدفعه من ثمن غال للحصول على الدرجات العلمية العليا، في حين أن جميع أقرانه في دول العالم المتقدم يحصلون على قسط أوفر من التعليم، والتميز العلمي دون الحاجة لبذل الغالي والنفيس للحصول على هذه الدرجات العلمية. وكان مجلس نقابة العلميين قد صدّق بالإجماع على مقترح يطالب بزيادة عدد سنوات الدراسة بكلية العلوم إلى 5 سنوات، وذلك عن طريق إضافة سنة خامسة تطبيقية، كما وافق على تشكيل لجنة لوضع تصور في هذا الصدد بعضوية أساتذة وعمداء كليات العلوم بالجامعات المصرية وعضوية العديد من المتخصصين وممثلين من القطاعات المختلفة التي يعمل بها العلميون. وبحسب بيان النقابة، فأن هذا المقترح يهدف إلى رفع مستوى كفاءة الخريجين في التخصصات المختلفة للكلية، وأن زيادة عدد سنوات الدراسة سيتيح الفرصة للدارسين للحصول على دراسات تخصصية تطبيقية في إطار تأهيلهم لسوق العمل إلى جانب الدراسة الأكاديمية التي تتناول الفروع المختلفة من العلوم. وأوضح نقيب العلميين أن هذا المقترح يهدف أيضا إلى التغلب على التحديات التي تواجه خريج كليات العلوم في سوق العمل وتتيح له التنافس مع التخصصات المختلفة وزيادة الخبرة في إطار زيادة سنوات الدراسة لخمس سنوات بما يتلاءم مع المتاح من فرص العمل في ظل تباين التخصصات. وكما هو متوقع، أثار هذا البيان العديد من ردود الفعل بين الطلاب والخرجين والعاملين والباحثين بالمراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، وغيرها من المؤسسات الحكومية والجهات التنفيذية التي تهتم بالبحث العلمي والتعليم العالي في مصر. وامتلأت صفحات الشبكات الاجتماعية بالعديد من التعليقات الساخرة المتعلقة بهذا الموضوع، فضلا عن التعليقات الجادة والأفكار المتزنة والرزينة، التي جاءت في معظمها رافضة لهذا التوجه، ومحذرة من تداعيات تنفيذ هذا القرار. وأكدت جميع وجهات النظر أن مخرجات التعليم الجامعي تقاس بكفاءة الخريج، ومنافسته في سوق العمل الدولي، والمحلى، وأن تطوير التعليم والمناهج التعليمية، وتحسين المقررات الدراسية، وزيادة الدراسة العملية والتدريبية والاهتمام بمخرجات الدراسات العليا، هو الاتجاه الصحيح لتطوير كفاءة خريجي كليات العلوم المصرية التي تفتقر الي التدريب العملي المناسب لأسواق العمل، وأن طول مدة الدراسة لن يحقق هذا الغرض. ويرى الكثيرون أن زيادة عدد السنوات الدراسية بكلية العلوم أو غيرها من الكليات هو اتجاه خاطئ تمامًا، ويجعلنا نسير عكس الاتجاه، ففي الوقت الذي وقعت فيها معظم دول الاتحاد الأوروبي (أكثر من 29 دولة) على بروتوكول بولونيا والذي ينظم التعليم الجامعي في أوروبا الموحدة بهدف التوافق وتوحيد المعايير وبالتالي امكانية الانتقال من بلد الى اخر واستكمال التعليم في أي مكان، بدون إجراء أية معادلات، وتوحيد معايير المنافسة بين الخريجين على مستوى العالم، فإننا في مصر نسلك اتجاهًا معاكسًا لمعظم دول العالم. والهدف من بروتوكول بولونيا ان تكون مدة المرحلة الجامعية الأولى ثلاث سنوات فقط ويحصل الخريج على درجة البكالوريوس التي تؤهله لسوق العمل في مجال تخصصه، وإذا أراد أن يمارس أعمال أكثر تخصصًا فعليه ان يحصل على درجة الماجستير في سنتين، ثم يتبعها بدرجة الدكتوراه لمدة ثلاث سنوات وذلك على نفقته الشخصية. وعليه فإننا نلاحظ في الغرب والدول الأخرى ان هناك شباب حاصلين على درجة الاستاذية بأعمار لا تزيد عن 35 عامًا في حين يصل بعض شبابنا الى الاربعينات قبل الحصول على الدكتوراه. وأن زيادة سنوات الدراسة بكليات العلوم لا تتوافق مع اتفاقية بولونيا لجامعات دول الاتحاد الأوربي التي تعتمد نظام 3+2+3 أي ثلاث سنوات للبكالوريوس وسنتان للماجستير وثلاث للدكتوراه كحد أدنى. والحد الأدنى للماجستير والدكتوراه عندنا سنتين ولكن الوقت يضيع في سنة تمهيدية تطول إلى سنة أخرى قبل التسجيل حتى أصبح الحد الأقصى (خمس سنوات)، وهو المدة التي يتوقع أن ينهى الطالب بعدها رسالته، وعند حصوله على الدكتوراه يكون أكبر من نظيره في الدول الأخرى بعدة سنوات ضائعة من عمره، وحيث أننا نشترط أيضًا مرور عشر سنوات للترقية إلى أستاذ فإنه يمكن لأقراننا في جامعات العالم الوصول إلى الأستاذية بعد خمس سنوات من الدكتوراه، ويبدأ الأستاذ في الخارج بناء مدرسة علمية وهو شاب بينما يبدأ الأستاذ المصري تكوين مدرسته العلمية وهو كهل وربما يفضل أن يستريح بعد الأستاذية التي حصل عليها بعد عمر طويل. ومن المعروف أن الهند اعتمدت نظامًا مشابهًا، تمنح فيه الدرجة الجامعية الاولي في ثلاث سنوات فقط واهتمت بالمحتوي، وأن هناك جامعات أوربية متخصصة في العلوم تعطي درجة البكالوريوس في ٣ سنوات، او البكالوريوس والماجستير في ٥ سنوات، ويشترط ان يقضي الطالب ٦ أشهر على الاقل في تدريب عملي ومشروع بحثي ليحصل على الماجستير، اي ان الخريج يكون حاصلًا على الماجستير وعمره ٢٠ الي ٢١ عامًا على الاكثر، اي قبل ٥ الي ١٠ سنوات من نظيره في النظام المصري. ويرى البعض أن إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت قد تؤدى لشغل المجتمع العلمي بقضية جديدة تبعده عن قضاياه الأساسية، وأن الاهتمام بالعملية التعليمية يكون بداية من المناهج وتصميم برامج مناسبة للمتطلبات التي تنتج خريجًا مناسبًا للمهام المستقبلية. وعلى سبيل المثال، فإن مناهج كلية العلوم في جامعة حلوان كانت مصممة لتخريج دفعات من الكيميائيين والفيزيائيين ومتخصصي علم الرياضيات مناسبين لسوق العمل وكانت المناهج بها بعض المقررات الهندسية، وتوجد بالأقسام العلمية تخصصات داخلية تناسب احتياجات قومية ملحه في هذا التوقيت. ولكن بعد تخريج عدد من الدفعات عادت الكلية إلى المناهج التقليدية لتكون مثل أي كلية علوم أخري تعاني من الانفصام بين المناهج الدراسية وسوق العمل وبخاصة الصناعي والبحثي. وأتفق الكثيرون على أننا نسير في اتجاه معاكس لما يحدث في معظم دول العالم، بعد أن قررت نقابة الصيادلة اضافة سنة سادسة، ونقابة العلميين اضافة سنة خامسة، والسبب المعلوم هو تحسين الوضع الوظيفي للخريج طبقا للقوانين القائمة حاليًا، والتي تحدد الراتب والدرجة حسب مدة الدراسة بالكلية، وأن الحل قد يتأتى من تغيير القوانين التي عفي عليها الزمن بدلا من زيادة عدد السنوات الدراسية. كما أن العبرة ليست بعدد السنيين التي يقضيها الطالب داخل الجامعة وهذا ما يؤكده نظام الساعات المعتمدة التي تطبقه حاليا بعض الجامعات المصرية، ولكن بجودة التعليم وتوفير الإمكانيات، وأنه من الأفضل لمصر اتباع نفس منهج الاتحاد الأوروبي في اختصار مدة التعليم الجامعي، لأن ذلك سوف يوفر مليارات الجنيهات التي يمكن استخدامها في تطوير التعليم. أن العبرة في التعليم الجامعي بتحصيل الطالب واكسابه المهارات الازمة لممارسة المهنة، وفى مجال الجامعات ومراكز البحوث التي يحكمها القانون 49 وتعديلاته يجب أن تكون العبرة بالإنجاز عند الترقية، والمأمول أن يكون للنقابات دور في تدريب أعضائها وتطوير مهاراتهم المهنية. ولا شك أن نقابة العلميين قد ناقشت زيادة فترة الدراسة بكليات العلوم على أمل مساواة خريجين العلوم بخريجين كليات الصيدلة والهندسة والطب البيطري في سوق العمل، لكن هذه النظرة ربما تخص العمل في الهيئات الحكومية بينما فرص العمل قد تكون متاحة بظروف أفضل في القطاع الخاص أو في الخارج حيث المعيار هو الكفاءة، وحيث أن تطوير الدراسة في كليات العلوم من مسئولية الجامعات وبصفة خاصة لجنة قطاع العلوم الأساسية بالمجلس الأعلى للجامعات، فيرى معظم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية أن القرار لا قيمة له بدون الرجوع للكليات ومجالس الاقسام التي تمنح الدرجات العلمية، ويتوقعون موافقة البعض والرفض من البعض الآخر، مما سيؤدى لعدم توحيد سنوات الدراسة في جميع كليات العلوم المصرية، والتخبط في السياسات التعليمية بكليات العلوم. وأخيرا، وليس آخرا نتمنى أن يهدى الله ولاة أمورنا لما فيه خير العباد والبلاد بإذن الله، وأن يتريث متخذي هذا القرار، وألا يتم تنفيذه إلا بعد الرجوع للجامعات، والاستعانة بآراء الخبراء، ومقارنة تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال وغيره من المجالات التعليمية والمهنية الأخرى المرتبطة به. * أستاذ التقنية الحيوية المساعد كلية العلوم والآداب ببلجرشي جامعة الباحة-المملكة العربية السعودية متخصص في الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية-قسم النبات، كلية العلوم، جامعة القاهرة