بروفايل:العريان.. كُف عليك هذا
يجلس الصحابى معاذ بن جبل بين يدى الرسول الكريم، يسأله عن «عمل يدخله الجنة» و«يبعده عن النار»، كعادة من لا ينطق عن الهوى يتحدث الرسول عن جوامع العمل الصالح، قبل أن يقطع حديثه بسؤال لمعاذ: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟»، يرد معاذ: «بلى، يا نبى الله»، فيأخذ النبى بلسانه ويقول: «كُف عليك هذا»، يسأل معاذ: «يا نبى الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟!»، تأتى الإجابة شافية: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟».
ذاك حديث شهير يعرفه بالتأكيد الدكتور عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة حق المعرفة، بحكم توجهه الإسلامى، وبحكم انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين لمدة تزيد على ثلاثين عاماً، لم يهمل خلالها الدين على ما يبدو، ولم يحتقره، على العكس تماماً أعلى من شأنه، ومارس شعائره بانتظام تشهد به علامة صلاة تتوسط جبهته العريضة، كما تشهد أيضاً لحية خفيفة موصولة بشارب يزين أعلى الفم الذى ينطبق على لسان لا يحركه العريان إلا ويصيب به طائفة ما، قبل أن يعود ليعتذر عما بدر منه، فتقبل طائفة، وترفض أخرى، وفى كل الأحيان يظل ما تفوه به الدكتور العريان ماثلاً فى الأذهان لا يمحوه اعتذار، ولا ينفع معه تطييب خاطر.
لم يكن ما كتبه العريان على حسابه بموقع تويتر قبل يومين إلا مثالاً على ما سبق، حيث اتهم اليسار المصرى بالفشل بسبب ما سماه «النفوذ اﻷجنبى»، و«التمويل الخارجى»، و«الهاجس اﻷمنى»، و«التشرذم»، و«التفتت»، و«إهمال دور الدين بل احتقاره»، و«النخبوية»، و«التعالى على الشعب». قائمة طويلة من الاتهامات نال بها العضو البارز بجماعة الإخوان المسلمين من خصوم قدامى لجماعته، تحولوا فى فترة تالية لحلفاء مخلصين خطبت الجماعة ودهم أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حتى تضمن ألا تذهب أصواتهم لمرشح منافس، ثم بعد فوز مرشحهم أطلق فيهم الدكتور العريان لسانه.
ليس اليسار فقط، فعلها العريان من قبل عندما أطلق لسانه فى أهالى النوبة ووصفهم فى مقال سابق له بـ«المحتلين»، ورغم محاولاته للاعتذار، فإن النوبيين أوجعهم ما كتبه القيادى البارز بحزب الحرية والعدالة، فلم يقبلوا منه اعتذاراً، فى حين أصر الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستورى على اعتذار العريان له بعد أن اتهمه الأخير فى برنامج تليفزيونى بانتمائه للنظام السابق، وهو ما أثار حفيظة الرجل الذى يعرف الجميع قدره ومكانته.
يظهر العريان، المولود فى 1954 فى قرية ناهيا بالجيزة، بوجه مختلف يطل به على الساحة السياسية منذ تحولت الإخوان المسلمين من جماعة محظورة إلى حزب سياسى، يزداد الاختلاف كلما كسبت الجماعة أرضاً جديدة، ساعتها يتحرك لسان الأمين العام المساعد بنقابة الأطباء ضد من تعتبرهم جماعته خصومها، لا يهم إن كان أولئك الخصوم قد تحالفوا من قبل مع الجماعة، فالمصلحة فوق كل شىء، ومن يغضب فالاعتذار جاهز على لسان العريان.