أوضحنا في المقالين السابقين أن أزمة التعليم هي السبب المباشر لتخلف البحث العلمي في مصر وبالطبع تنعكس أزمة التعليم وتواضع مخرجاتها على مقدرتنا في استيعاب مايحدث على مستوى العالم . فإذا ماادركنا أن كل يوم يمر يعني المزيد من التقدم العلمي والتكنولوجي فأننا سوف ندرك أن تخلفنا المعرفي هو منتج لعدم قدرتنا على تسخير المعلومات في خدمة أهدافنا التنموية . وحتى نكون قادرين على تسخير المعلومات لابد لنا أن نكون على فهم جيد لمجتمع المعلومات ـ ثم بعد ذلك نكون قادرين على أستخدام التكنولوجيا المعلوماتية في كل مناحي حياتنا ـ إذن ليس لنا بديل سوى الوقوف على أسباب تخلفنا المعلوماتي ولن يكون ذلك الابادراكنا أولا لمعاير التخلف المعلوماتي ثم توصيف حالتنا في ضوء هذه المعاير .
اننا هنا لانقوم بعملية جلد للذات ولكننا سنحاول وضع أسس التحضير للخروج من أزمتنا التعليمية والعلمية والتكنولوجية عن بصيرة ونوجز بعض معاير تخلفنا المعلوماتي فيما يلي :ـ
1. مدى الثقة في نظامنا التعليمي والتكنولوجي ويعنى ذلك حتمية الارتقاء بهذا النظام على نحو ماأقترحنا وعلى ماقام به العديد من الخبراء والمختصين بهذا الخصوص وأن نقوم فورا بتطبيق الافضل من هذه المقترحات .
2. مدى الثقة في البحث العلمي وجدوى الحلول العلمية وثقتنا في مؤسساتنا البحثية وعدم تحديد رسالتها ـ بل إن بعضها قد انشئ لأغراض شخصية وأن الاشراف عليها وإدارتها لاتكون للأفضل بل للأقرب للسلطة أو ألاكثر نفاقا .
3. ينعكس التدني المعلوماتي على فكر الحكومات المتعاقبة وعدم إهتمامها بالبحث العلمي أو التطوير التكنولوجي ويتمثل ذلك في الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي والتي تحددت مؤخرا في دستور 2014لتصبح 1% من أجمالي الدخل القومي وهي قيمة غاية في التواضع لاترقى الى المستوى المفروض في ظل إهنزاز المنظومة البحثية مع العلم بأن النسبة الاكبر في هذه المحسنات تذهب الى الاجور والحوافز .
4. من بين المعايرالتي تؤكد تخلفنا المعلوماتي والعلمي هو عدم قناعة الباحثين أنفسهم بما يقدمون لمجتمعهم والذي نتج ليأسهم من تطبيق بعض اختراعاتهم ونتائج بحوثهم وكذلك قناعتهم بأن مجهوداتهم حتى وإن تواضعت فهي ليست محل تقدير حكومي أومجتمعي فتخاصموا مع أنفسهم ومع مجتمعهم ومع كل نظم الحكم .
لقد نشأ عن كل ذلك مظاهر سلبية في أواساط الباحثين أنفسهم نذكر منها :ـ
أ ـ بدائية الحوار العلمي وعدم إحترام حدود التخصص العلمي والمهني وتفشى ظاهرة التطفل والانتهازية العلمية في كل المجالات العلمية والتكنولوجية وإنتشار ظاهرة النقل وفرض الوصاية على شباب الباحثين .
ب ـ قتل الروح الابتكارية لدى شباب الباحثين وسيطرة الاكثر قدرة على التحرك نحو إرضاء القيادات والمسئولين من متوسطى القدرة على المراكز السياسية ومواقع اتخاذ القرار .
ج ـ قصور خدمات البيانات والمعلومات وأنصراف الطلاب والباحثين للبحث عنها واستخدامهم للمتيسر منها رغم تواضعه او عدم تحقيقه او تلفيقه وشيوع ظاهرة الفهلوة العلمية والتطفل على التخصصات الرائجة او الاكثر شعبية كالمياه والطاقة والمناخ وفى الغالب يقوم الجميع بإعادة طرح مايلوكه الاخرون .
د ـ تضخم البيروقراطية وتقديس الاجراءات على حساب الاهداف .
هـ ـ تبسيط الرأي الآخر وتحويل العلماء الى متحدثين عن أهمية العلم وانجازاته دون التوجه للابتكار والابداع
و ـ ضعف النشر العلمي وبطء حركة الترجمة .
ز ـ الانفصام العلمي بين التخصصات ونقص القدرة على التفاعل بروح الفرق البحثية واهمال التخصصات الانسانية وتعذر الحوار العلمي بين أصحاب التخصص الواحد .
ح ـ اهمال التراث الثقافي والتوثيق العلمي وذلك لضعف البنية الاساسية لنظم المعلومات واهدار طاقة العلماء والباحثين في عمليات توثيق بدائية لاترقى لمستوى العصر .
إننا إذن بصدد أزمة معلوماتية ومعرفية سببها ازمتي التعليم والبحث العلمي في مصر ويعنى ذلك أن مستقبلنا في خطر ما لم نأخذ بالاسباب .