زمزم.. يا «أم أحمد»
«آكل وأشرب وساعة الشغل أهرب».. تقولها وابتسامتها تملأ وجهها، لا تجيب بسهولة عمن يسألها عن اسمها، تأتى سنويا من طنطا.. «عشان أشوف أكل عيشى.. مش عشان الناس تعرف اسمى».
«بل ريق الغلابة.. سقاية»: تلك هى المهنة التى ورثتها «أم أحمد» عن زوجها الموظف الذى كان يخرج فى الموالد ليحمل القربة على ظهره ويؤدى المهمة نفسها: «بنسقى الناس اللى هتموت على بق ميه فى الحر ده».
جلباب أحمر فضفاض لُصِقت عليه أشكال تشبه نياشين الملوك والزعماء، وشارات خضراء كان لها عند أم أحمد معنى خاص: «دى تذكارات من أولياء وصوفيين.. كل شيخ طريقة إدانى شارة طريقته بعلقها». لم تكن المهنة فقط هى ما ورثته أم أحمد عن زوجها الراحل، بل أيضا الجلباب، فهو صاحبه الأول: «العباية بتاعته ما قلعتهاش من يوم ما مات».
حياتها معه لم تنته، فلا تزال رائحته فى الجلباب، فقط «القربة» المملوءة بالمياه التى سار بها أعواما طويلة هى التى تغيرت: «ما بقتش أقدر أشيل القربة.. جبت إبريق نحاس وحطيته فى سروال القربة ولما بيفضى بملاه».
تتذكر فى آخر احتفال بعيد ميلادها: «ولادى عملولى صينية بسبوسة وحطولى شمعة وقالولى بقى عندى 68 سنة». هى لا تعرف إذا كان هذا العدد حقيقيا أم لا، «بس انا شكلى صغير على الكلام ده». فخورة بوجهها الأبيض الذى تعلوه ابتسامة الرضا: «لا بنعمل عمليات تجميل ولا غيره، دى بركة ربنا».
«أكواب ألمونيا» تحملها فى يديها تدور بها على مريدى الحسين، يتجمع حولها العطشى الذين يرجون فى مياهها الارتواء ويكفيها أن تسمع منهم دعاءهم الأثير على قلبها: «تشربى من زمزم». تحلم بذلك اليوم الذى تتمنى أن يكتبه الله لها: «ندر علىّ لو رحت زمزم أملا قربتى من هناك واسقى الناس كلها».
القربة وأحوال العيال هو كل ما يهمها، فلم تعد تأبه لشىء ولا تعرف شيئا، فهى لا تشاهد التليفزيون ولا تقرأ الجورنال، وتسليتها الوحيدة حرمت منها أيضاً: «هما سجنوا ليه سى عكاشة؟.. عشان بيقول كلمة حق. ربنا ينصره ويرجعهولنا إن شاء الله».