كان معرض الكتاب فرصة للقاء العديد من القراء الأعزاء والمحترمين الذين استمتعت بلقائهم، والنقاش معهم فى أكثر من حفل توقيع، أو لقاءات عابرة فى المقهى الثقافى. القارئ الذى يتفاعل مع كاتبه دائماً إضافة لأى كاتب، مهما كان الاختلاف، ويكفى أنه يعطيك من وقته ليتفاعل معك ويدلى برأيه فيما تكتب، لكن المشكلة تكمن دائماً فى المناخ الذى يسيطر عليه التفتيش فى النوايا، أو التصنيف، أو التجاوز والإساءات الشخصية، مع كثير من التخوين والتحوير وما أسميه أمراض القراءة، وهى أمراض تصيب القارئ فى كل مكان، وليس فى مصر فقط، وكان هذا محور أكثر من نقاش لبعض من سألوا عن تفاعلى مع تعليقات الموقع وشبكات التواصل الاجتماعى، ولماذا يبدو وكأننى (تِنك) شوية، ولا أكترث بآراء القراء، ولا يهمنى تقييمهم لما أكتب، وأشياء من هذا القبيل، وهو ما يجعلنى ملتزماً بالتوضيح أمام قارئ محتمل ربما يكون فهم هذه المسألة بشكل خاطئ.
شوف يا سيدى، الزبون دائماً على حق، لكن هذا فى التجارة، وليس فى الرأى، بمعنى أن المقال مادة رأى قد تستند على أخبار، لكنها فى النهاية مادة رأى قد تتفق معه أو تختلف حسبما يحلو لك، وقد يكون هذا الرأى صواباً يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب، لكنه يجب ألا ينصرف (أبداً) إلى (شخص) الكاتب لتصبح فرصة فى الطعن فيه، فإن كان رأى الكاتب مخالفاً لرأى حضرة القارئ فلا يعنى هذا أنه عميل أو بيقبض أو أنه خائن لوطنه.
شوف يا سيدى، عائلة الكاتب خارج الموضوع، فليس من المعقول أن يكتب الكاتب رأياً -أياً كان- فيكون الرد عليه بشتيمة الأب والأم واللى خلفوه، والشىء الذى جعل الكاتب لا يكترث بالعديد من الردود هو فكرة أن البعض تسول له نفسه الخوض فى الأعراض لمجرد الاختلاف، كما أن البعض لا يقرأ ما يكتب، ويكتفى بالتعليق على النبذة التى يختارها الزملاء فى موقع الجريدة لنشرها على «الفيس بوك» معتبرين أن ذلك هو المقال، ليطعنوا فى كاتبه دون أن يقرأوا المقال نفسه، ويكون التعليق عبارة عن شتيمة للكاتب على اعتبار أنه محسوب على (الآخر) دائماً، بل وينصرف البعض إلى التعليق على صورته التى هى فى الأساس تصوير لـ(خلقة ربنا)، ليتسابق البعض على نعته بأقذع الألفاظ من قاموس قلة الأدب المصرية الخالصة لمجرد أن صورته لا تعجبه، ويتحرق المقال، ويتحرق الرأى.
شوف يا عزيزى، القناعة المسبقة لا تجعلك تصنع نقاشاً محترماً، فلو صنفت صاحب الرأى لا تتناقش معه، لأن تصنيفك له سيطغى على نقاشك فيلغى أى فرصة للمنطق فى الحوار، كما أن العبارات الرنانة مثل (الكاتب يدس السم فى العسل) أصبحت عبارات قديمة تفتش فى النوايا أكثر ما تخلق جواً للنقاش، ولو لم يعجبك هذا العسل فلا تقربه، وإن تكرر الأمر فالعيب فيك لأنك تعرف أن به سماً وتصر على أن تتجرعه.
شوف يا سيدى، الكاتب أيضاً بشر، يخطئ ويصيب، له لحظات يرتبك فيها، وله لحظات يصبح فيها منكسراً أو تصبح رؤيته غائمة، وهى حالة تصيب كل الكُتاب تقريباً سواء اعترفوا أو لم يعترفوا، كما أنها حالة متكررة، يخسر فيها الكاتب كثيراً، ويظنه البعض متلوناً أو خائفاً من شىء ما أو أن أحداً قد اشتراه، والسؤال الذى يجب أن تفكروا فيه: هل هناك ثمن مناسب لبيع الشرف؟؟ وهل يرضى كاتب هذه السطور على نفسه أن تكون سمعته أمام أولاده أنه منافق؟؟ وما المكسب؟؟ منصب مثلاً؟؟ حماية؟؟ فلوس؟؟ سلطة؟؟
كلها أشياء صارت بلا معنى فى زمن العبث الذى نحياه والذى لن نبيع فيه برخيص أو بغالٍ، بل يكتب العبد لله ما يقتنع به وما يستطيع أن يجيب عنه حين يسأله الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ما لا يعنى الكاتب ليس القارئ نفسه فله كل احترام، وإنما تصنيفه له، أو رأيه فيما يكتب من أفكار، فالأساس أن الكاتب لا يكتب لرضا القارئ، وإنما لرضا الله عز وجل، كما أن الأساس فى الاختلاف أن نختلف بأدب، وألا تعتبر ما أكتبه وحياً، وأن تأخذ منه ما تريد وتترك منه ما تريد أو تتجاهله تماماً، أما القارئ اللامؤاخذة، أو عابر السبيل الذى يقابل مقالك مصادفة فيشتمك أو يسبك.. لا يعنينى بالمرة، وهى زكاة عن أعراضنا نسأل الله أن يقبلها.
تحياتى للقارئ المحترم مهما كانت (حِدته) فى الاختلاف طالما لم يفتش فى ضميرى، ولم يتهمنى اتهامات مرسلة، ولم يدخل أهلى طرفاً فى تعليقه، أما الآخرون، فأسأل الله أن يكونوا فى ميزان حسناتنا ككُتَّاب.