لا لانتهاك كرامة المرأة

عمرو حمزاوي

عمرو حمزاوي

كاتب صحفي

لم يعد مقبولا تجاهل كارثة التحرش اللفظى والجسدى بالمرأة فى المساحة العامة والوقوف إزاءها فى خانة اللافعل المجتمعى. أكتب عن هذا الآن وبداخلى بالتأكيد مرارة شخصية سببها جريمة التحرش التى تعرضت لها زوجتى بسمة أثناء وقفة الدفاع عن الحريات بميدان طلعت حرب مساء الخميس الماضى. إلا أن الأمر يتجاوز المرارة الشخصية إلى حزن شديد على ما تواجهه المرأة المصرية وعلى مدار الساعة من انتهاك منظم لكرامتها وعصف بحرياتها وتحايل مجتمع الرجال على هذه الكارثة بخطاب تبريرى ردىء. التحرش اللفظى والجسدى والجرائم الأخرى التى تنتهك كرامة المرأة تحتاج إلى تعامل حاسم معها بتشديد العقوبات القانونية التى توقع على مرتكبى هذه الجرائم لردعهم. وقد حاولت خلال فترة انعقاد مجلس الشعب الدفع باتجاه تشديد العقوبات باقتراح بقانون قدمته تضمن تعديلات على بعض المواد بقانون العقوبات، إلا أن أغلبية حزبى الحرية والعدالة والنور أبطلت المحاولة وفرغتها من المضمون. مواجهة التحرش اللفظى والجسدى بالمرأة تحتاج إلى تغيير جذرى فى طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع الجرائم هذه، فوفقا للكثير من شهادات الضحايا التى توثقها منظمات الدفاع عن حقوق المرأة، تسفَّه المرأة حين تذهب لقسم الشرطة للإبلاغ عن تحرش تعرضت له أو يقال لها إن الأمر اعتيادى ومحدود الأهمية أو يمرر لها -وهى الضحية- وبالطريقة الذكورية المقيتة أنها هى المسئولة عن ما تعرضت له إن لوجودها فى أماكن التجمعات أو لمظهرها، وكأن المطلوب هو تغييب المرأة عن المساحة العامة أو فرض مظهر منمَّط عليها. والنتيجة الوحيدة لاستخفاف الشرطة بجرائم التحرش هى حالة التوحش الذكورى والانفلات الجماعى التى تتكرر فى أيام الأعياد وغيرها دون مواجهة أو ردع. ينبغى إذن أن يفعَّل تشديد العقوبات على مرتكبى جرائم التحرش، أى الردع القانونى، بالتوازى مع تطبيق جاد للقانون من قبل الأجهزة الأمنية. مواجهة جرائم التحرش اللفظى والجسدى بالمرأة تستدعى منا جميعا فى الجماعة الفكرية والسياسية والإعلامية مواجهة حقيقية للخطاب الذكورى المبرِّر لانتهاك كرامة المرأة والعصف بحرياتها. وللخطاب هذا مقولتان فاسدتان رئيسيتان يعتاش عليهما؛ الأولى هى أن مكان المرأة الطبيعى هو المنزل وأن وجودها فى المساحة العامة مرهون بالحماية الذكورية إن من الزوج أو الأب أو الأخ، وكأن حرية المرأة العاملة والطالبة والمعيلة والفنانة والمثقفة فى الحركة بمفردها -أى حرية نصف المجتمع- مسألة هامشية أو تحتاج إلى أن يتحول الرجل إلى وحش كاسر جاهز دوما للدفاع عن المرأة (أو فى الكتابة الذكورية الدفاع عن «لحمه») حين يخرج بها للمساحة العامة. أما المقولة الثانية فتذهب وبعباءة دينية زائفة إلى أن مظهر المرأة «المحتشم» فى المساحة العامة هو الضمانة الوحيدة لاحترامها ومن ثم يتعين فرض المظهر المنمط حجابا كان أو نقابا أو خمارا على النساء كافة. مروجو هذه المقولة الفاسدة يتناسون أن جرائم التحرش تتعرض لها أيضا المرأة المحجبة والمنتقبة وأن مجتمعا عصريا سيقبل تنميط ظهور المرأة خارج منزلها، فيالبؤس هذه المقولات التى تبرر لجرائم التحرش ولانتهاك كرامة المرأة وتجعل منها مواطنة درجة ثانية! ويا لعبث ورداءة من يرددونها إن على قنوات تليفزيونية يتستر مقدمو برامجها خلف الدين لنشر تخلفهم الذكورى وبث سمومهم فى المجتمع أو على شبكات التواصل الاجتماعى أو فى ساحات أخرى! بدون تشديد العقوبة القانونية فى جرائم التحرش والتعامل الأمنى الصارم مع مرتكبيها ومواجهة مقولات التبرير الذكورية الفاسدة لن نتخلص من كارثة انتهاك كرامة النساء، كل النساء، فى مصر.