حضرة العمدة.. رأس الحكمة والاستبداد وذاكرة المواجع والقهر والانتصارات
صورة أرشيفية
لسنين طويلة، ظل العمدة، بشخصيته وكاريزمته، رمزاً للسيطرة، وكان وجوده مؤثراً ومحورياً وفاعلاً، كان زعيماً وكبيراً لقريته، ورمزاً تتوارث سيرته الأجيال، بدافع الفخر أحياناً، والسطوة والهيمنة أحياناً أخرى.
2008 عام تعيين أول سيدة فى منصب العمدة وكانت فى محافظة أسيوط
يقول محمد رمزى فى كتابه «القاموس الجغرافى للبلاد المصرية» إن منصب العمدة استحداث لموقع شيخ البلد فى التاريخ القديم، وفى العصر الحاضر، كان «العمدة» المحرك الأساسى للأحداث فى مجتمعه، رأيه نهائى بلا رجعة، وقراره قانون ومسودة دستورية لأهل قريته، بصرف النظر عن مستواه التعليمى.
150 جنيهاً يتم صرفها كمكافأة شهرية للعمدة و75 جنيهاً للشيخ فى القانون القديم
واقعياً، كان «العمدة» رمزاً للعدالة والاستبداد فى الوقت نفسه، بيته ملجأ للجميع، ودواره رمز لبلدته وعنوان لها، وكان استدعاؤه لأى شخص من قريته يثير الرعب فى النفس، وكأنه إنذار بكارثة، وكانت هيبة العمدة تتجلى بين سطور المؤرخين، فى صور تشبه الأساطير، يتجمع حولها خليط من المشاعر المتناقضة، ولأجيال وراء أجيال كان الصراع على العمدية جزءاً من الرغبة فى الهيمنة بين العائلات، وكان التوريث، ولا يزال، جزءاً من هذه الرغبة العارمة فى البقاء على مسرح السيطرة والهيمنة، مصحوبة بخلافات الدم والخصومة والثأر.
5 سنوات مدة شغل وظيفة العمدة أو الشيخ من تاريخ تعيينه قابلة للتجديد
اقتصرت العمدية فى السابق على الرجال، غير أن مياهاً كثيرة جرت فى النهر، وتبدلت الحال فيما يشبه الثورة على أكثر الوظائف المصرية تقديساً لمفهوم الذكورية، حيث وصلت المرأة الآن لكرسى العمدية، وفى السينما، رسمت الشاشة صوراً عدة لشخصية العمدة، لعل أكثرها وضوحاً وجاذبية، الدور الذى أداه الفنان صلاح منصور فى فيلم الزوجة الثانية، ولفرط الأداء الرائع للفنان الكبير صلاح السعدنى، فى مسلسل ليالى الحلمية، التصق لقب العمدة بسيرته، ولما بهتت صورة العمدة، حضر اسمه باهتاً فى بعض الأغنيات، فانتقلنا من خانة التقديس إلى خانة التقليل، وصار حضوره وظيفياً أكثر منه فاعلاً، وتراجع الصراع على المنصب حتى أصبح معدوماً تقريباً.. بلا شك، فإن شخصية العمدة لها فصل كبير فى كتاب الذاكرة المصرية ومباحث التاريخ، سواء حملت ملامح الطغيان والتجبر والهيمنة الظالمة والسيطرة، أو ملامح الرجل الكبير، الذى صار حضوره وغيابه على السواء مؤثراً وفاعلاً.
فى هذا الملف نستدعى كل هذه الوجوه، بماضيها وحاضرها، بوصفها من أكثر الوجوه خصوصية، حملت العديد من الحكايات، والكثير من الأساطير.