مصر: تركيا «السلطانية»

منذ أن اعتلى الإسلاميون سدّة الحكم فى مصر بعد ثورة 25 يناير، و«الحلم التركى» يقفز فى أذهان الكثيرين، فتركيا «أردوغان» تقدم -من وجهة نظر غالبية المصريين- نموذجاً ناجحاً لحكم الإسلاميين، إذا احتذاه الإخوان والسلفيون فسوف يؤدى ذلك إلى نقلة نوعية فى تاريخ هذا البلد. فقد حققت تركيا نمواً داخلياً جديراً بالإعجاب، واستطاعت أن تحقق وجوداً ملموساً على المستويين: الإقليمى والدولى. ويظن البعض أن الرئيس «محمد مرسى» قادر على تحقيق النهضة على الطريقة «الأردوغانية»، والظن أحياناً ما يكون أكذب الحديث. فالتجربة المصرية الحالية تسير سيراً حثيثاً نحو التشابه مع تركيا فى نسختها «السلطانية» (نسبة إلى سلاطين الدولة العثمانية)، وليس فى نسختها «الأردوغانية»، فالإخوان كـ«جماعة» نشأت كرد فعل على إلغاء الخلافة العثمانية عام 1924، وليس لقياداتها منذ نجاحهم فى الوصول للسلطة سوى الحديث عن الشريعة والحدود، وإقامة الخلافة، وأستاذية العالم، وسنّة إطلاق اللحية، والدعوة للحاكم على المنابر، وتحريم الخروج عليه، واتهام من يتمرد على سلطته بالبغى، تماماً مثلما فعلها السلطان العثمانى ذات يوم، فأصدر فرماناً بعصيان عرابى (أى بخروجه عن خليفة المسلمين) خلال أحداث الثورة العرابية لينفضّ مناصروه من حوله. من الصعب على الإخوان والسلفيين والدكتور «محمد مرسى» إعادة إنتاج التجربة التركية بوجهها «الأردوغانى» فى مصر لسبب مهم للغاية! هذا السبب يتمثل فى التجربة «الأتاتوركية» التى مرّت بها «تركيا» والتى شكّلت مرحلة انتقالية بين «تركيا السلاطين»، و«تركيا أردوغان»، فعندما حكم «مصطفى كمال أتاتورك» دولة تركيا بادر إلى إلغاء الخلافة، وحارب الحجاب و«الطربوش» العثمانلى الشهير، ومنع الأذان فى ميكروفونات المساجد، وصادر على العديد من تقاليد وشرائع الإسلام، بعبارة أخرى انقلب انقلاباً كاملاً على دولة الخلافة التقليدية بوجهها السلطانى، وأسس دولة علمانية شديدة التطرف فى علمانيتها، وعظيمة الحدة فى موقفها من الدين. ورغم بشاعة موقف «أتاتورك» من الإسلام فى تركيا، إلا أنه أفاده من حيث حاول أن يضره، فالتطرف فى العلمانية أدى إلى تنقية وتصفية «التدين» التركى من العديد من الشوائب والخرافات والترهات التى كانت تأخذ بخناق الأتراك، بسبب ترسخها فى عقلهم ووجدانهم عبر سنوات طويلة من حكم السلاطين، الذين وصف أحدهم المطبعة عندما رآها بأنها «رجس من عمل الشيطان»!. خرج الإسلام التركى من تجربة «أتاتورك» أكثر توازناً، وأشد نقاءاً، وأعظم قدرة على الاستغناء عن الكثير من الأفكار والتقاليد التى تتصادم مع العقل، وأصبح عقلانياً خالصاً، وكان من نتائج ذلك ميلاد «حزب الرفاة» عام 1983، ليقدم تجربة فريدة من نوعها فى النهضة على أساس القيم الحقيقية للإسلام، وليس على أساس «انهض بلحيتك واجعلها أطول».