صنع فى الصين
![صنع فى الصين](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/24176_660_942467.jpg)
إذا أخذتك قدماك إلى أحد المحال التجارية الكبيرة أو الصغيرة فبالطبع ستقع عيناك على عبارة «صنع فى الصين» على ظهر منتج ما أو بجانب العلامة التجارية لسلعة ما.. باتت تلك الكلمة تحاصرنا فى كل مكان وامتدت إلى السلع التراثية مثل الفوانيس وسجاجيد الصلاة وطُرح الصلاة وأيضاً اقتحمت تلك البضائع رديئة الخامات، فقيرة الذوق والفن، أماكن تاريخية تراثية مثل خان الخليلى، فتوغلت وباتت تنافس البضائع التراثية والحرف والفنون المصرية الأصيلة.. فمنذ عامين تقريباً رأيت لأول مرة البضاعة الصينية فى خان الخليلى، لفت نظرى تمثال لجمل صغير.. أخضر اللون! مرصع بقطع لامعة رديئة.. فالخامة والشكل ليس لهما علاقة المضمون.. أذكر شكل الجمل التراثى -تمثال صغير- المصنوع من الجلد وعليه بعض رسوم الخيامية البسيطة، كنا نأخذه كهدية «sevonire» لأصدقائنا فى الخارج.. فكم هو جميل وبسيط، يعبر عن الحرف التراثية المصرية.. أما تلك االمنتجات الصينية التى حشرت حشراً فى ما يعنيها وما لا يعنيها.. تشعرنى بالغزو الطفيلى.. فكم أخشى أن أرى مولوداً صغيراً وعندما أقلبه على ظهره أرى عبارة «صنع فى الصين» أو آتى بـ«مِش بِدُوده» من البلد وبعدها أرى على كل دودة «صنع فى الصين».. حتى أصحاب مصانع الغزل يقومون باستيراد القطن الصينى لتعمل مصانعهم!! والسؤال هنا لمصلحة مَن وجود تلك البضائع الصينية التى أغرقت الأسواق المصرية؟ بالطبع ليس لمصلحة المواطن المصرى، إنما تأتى المصلحة لرجال الأعمال المستوردين لتلك البضائع والمنتجين لها فى الصين لأنهم يستخدمون خامات قليلة التكاليف ويصدرون لنا أعداداً كبيرة من البضائع، فلابد من المكاسب الضخمة.. أما رجل الشارع البسيط فإنه فقط يبحث عن الشىء الذى يستطيع شراءه بنقوده القليلة.. فربما فانوس «صينى» رخيص الثمن يستطيع أن يسعد ابنه أو حذاء «صينى» ردىء الصنع يستطيع أن يلبى رغبة ابنته فى اقتناء حذاء جديد بدلاً من القديم الممذق.. فالأب لا يبحث عن إنعاش الصناعة المصرية أو الحفاظ على الحرف التراثية وإنما يبحث عن رسم البسمة على شفاه صغيره... ولكن على الدولة أن تحافظ على تلك الحرف والصناعات والأيدى العاملة فى تلك الفنون التراثية ولا تترك السباق مفتوحاً بين المصرى والصينى.. فإن المنتج المصرى لا يستطيع أن يدخل فى سباق مع أخيه الصينى بدون دعم من الدولة.. وإن تركناه يعوم بمفرده فى البحور الصينية سيغرق كما غرق الجنيه المصرى قبله فى البحور العالمية.. فلابد من وضع بعض القوانين التجارية أو التثقفية أو حتى الجمهورية لإنقاذ البضائع والصناعات المصرية من تلك التحديات.. ووضع المصالح العامة فوق مصالح بعض رجال الأعمال المستوردين لتلك البضائع.. إلى الشعب الصينى: «إنك لشعب عظيم، قوى، تمتلك تراثاً وحضارة كبرى.. نريد أن نتعلم منكم الكثير.. لديكم من الفنون والذوق الكثير.. ولكنكم تصدرون إلينا تلك البضائع الرديئة -نسبياً- لأنكم تعلمون أن الأرخص ثمناً فى السوق المصرية سيكتسح.. فليتكم قمتم بتصدير الأغلى والأرقى ليشتريه من يملك ثمنه، مكاسبكم حق أصيل لكم، فأنتم تعملون بجد، تفكرون وتبتكرون، تعرفون متطلبتا جيداً أكثر من السوق المصرية نفسها، ولكن ليس على حساب الذوق والتراث المصرى».