فانتازيا.. احلم معانا: إحالة مرتكبي جرائم "محمد محمود" للمحاكمة بتهمة القتل
عامان على أحداث محمد محمود، تم خلالهما تشكيل أكثر من لجنة لتقصي الحقائق، لكشف مرتكبي الجرائم في حق المصابين والشهداء، إلا أنها لم تسفر جميعا عن أي نتيجة. "الوطن" تحلم بمحاكمة عادلة للمسؤولين.. تحلم بإرساء القانون على الكبير قبل الصغير، وذلك من خلال تقارير حقوقية رصدت كافة الانتهاكات الأمنية بحق المتظاهرين، والأسانيد القانونية التي تستوفي معاقبة مرتكبيها.
أولى الانتهاكات التي ارتكبتها وزارة الداخلية في أحداث محمد محمود، في السبت 19 نوفمبر 2011، كانت فض اعتصام سلمي باستخدام مفرط للقوة من حديقة ميدان التحرير، باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وأعيرة الخرطوش. محمود بلال، المحامي ببرنامج العدالة الجنائية بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقول إن أحد أهم انتهاكات وزارة الداخلية كانت استخدام قنابل غاز مسيل للدموع سامة ومنتهية الصلاحية ومحرم استخدامها دوليا، كما رصدت بعض التقارير الحقوقية وفقا لبلال، أن تلك الغازات سامة بالنسبة للمرأة وخاصة الحامل.
الاتهام الثاني الذي وجهه بلال هو الاعتداء على الأطباء أثناء تأدية عملهم، وكذلك الاعتداء على المصابين، عند اقتحام المستشفيات الميدانية أكثر من مرة خلال الأحداث، ومنها مستشفى عباد الرحمن، ومستشفى عمر مكرم، والقبض على الأطباء والمسعفين وتحويلهم للمحاكمة.
القبض على قائمة كبيرة من المتظاهرين تضم 379 ثائرا، وتعذيبهم وإحداث إصابات بالغة بهم، عن طريق الركل بالبيادات والعصي والهراوات، والسب والشتم والاتهام بالخيانة والعمالة، والتحرش بهم، ثم حبسهم وإحالتهم للمحاكمة بسبب إتلاف الممتلكات العامة، هي التهمة الثالثة التي يوجهها بلال، بالإضافة إلى اعتداء الداخلية على المباني والممتلكات العامة والخاصة.
لم يواجه أيٌّ من مرتكبي هذه الجرائم أي عقاب، بخلاف محمود صبحي الشناوي، المعروف إعلاميًا باسم "قناص العيون"، الذي حصل على حكم مخفف بالحبس لمدة 3 سنوات، وتم تصنيف الواقعة على أنها قتل خطأ.
مالك عدلي، الناشط الحقوقي والمحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقول إن هناك قرارًا صدر في عهد المشير طنطاوي، اعتبر مصابي محمد محمود مصابي ثورة، وشهداء محمد محمود شهداء ثورة، واستكمالا لهذا القرار، أصدر النائب العام في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، قرار بالعفو الشامل عن معتقلي محمد محمود، لأنها أحداث مناصرة للثورة، وبالتالي فإن ما حدث بها شرعي، والاعتداء عليها ليس دفاعًا عن النفس، بل فعل مجرم يجب المحاسبة عليه.
55 شهيدا حصيلة أحداث شارع "عيون الحرية"، منهم محمد منصور العليمي، الشهيد المنسي بمرسى مطروح، بحسب عدلي، ولا أحد في مصر يعرف ما توصلت إليه التحقيقات أو لجنة تقصي الحقائق في أحداث محمد محمود، بالإضافة إلى تعذيب المعتقلين، الذين جُرِّدوا حتى من أحذيتهم وملابسهم ومتعلقاتهم الشخصية.
وبما أن النيابة لم توجه التهم لشخص بعينه، وبما أن تقرير لجنة تقصي الحقائق حُفِظ ولم تُنشر نتائجه، وجه محمود بلال التهمة لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأعضاء المجلس، ورئيس الحكومة، وأربع قيادات بوزارة الداخلية آنذاك، هم رئيس قطاع الأمن المركزي، ومدير مصلحة الأمن العام، ومدير أمن القاهرة، ووزير الداخلية، مؤكدا أن لوزارة الداخلية عن العنف والقتل مسؤوليتان، إحداهما جنائية خاصة بالقتل، وأخرى إدارية خاصة بالأوراق والتحقيق في قضية القتل.
ووفقا للباب السادس من قانون العقوبات، وتحديدًا من المادة 126 وحتى المادة 133، فإن احتجاز الموظف العام لأفراد وإلحاق الأذى بهم، يعرضه بشكل مباشر للحبس والغرامة. أما إذا وصل الضرر إلى التخريب وإتلاف ممتلكات عامة، فإن المادة 117 مكرر من قانون العقوبات، تنص على أن "كل موظف عام خرب أو أتلف أو وضع النار عمدا في أموال ثابتة أو منقولة، أو أوراق أو غيرها للجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم عمله، أو للغير متى كان معهودا بها إلى تلك الجهة، يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة".
وتنص المادة 230 الخاصة بالقتل العمد، على أن "كل من قتل نفسا عمدا مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد، يُعاقب بالإعدام"، فيما تفسر المادة 231 من قانون العقوبات المكملة للمادة السابقة، أن "الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية، يكون غرض المصر منها إيذاء شخص غير معين وجده أو صادفه، سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط".
ويؤكد مالك عدلي أنه إذا تم اعتبار جرائم الأمن ضد المتظاهرين جريمة قتل خطأ، فإنه وفق المادة 238، التي تنص على أنه "إذا تسبب خطأ في موت شخص بسبب الإهمال أو الرعونة أو عدم مراعاة القوانين، تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنين، أو غرامة، وذلك إذا أخل الموظف بحدود وظيفته أو حرفته، وإذا نتج عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإنه يجب الحبس مدة لا تقل عن سنة و لا تزيد عن 10 سنوات".
المادتان 240 و241 الخاصتان بالضرب والجرح في قانون العقوبات، تؤكدان أن المحكوم عليه يتلقى عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين، بالإضافة إلى أن "كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك، وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة، يُعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه"، وفقا للمادة 280، أما المادة 281 الخاصة بحجز أفراد في غير الموقع المحدد لذلك، فتنص على أنه "يُعاقب أيضا بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين، كل شخص أعار محلا للحبس أو الحجز غير الجائزين، مع علمه بذلك".
ويفسر عدلي المادة 102 من قانون الشرطة، التي تحدد استخدام السلاح الناري لفض التجمهر أو التظاهر من 5 أشخاص على الأقل بناء على أمر من الرئيس، وتفسر قواعد استخدام السلاح، وهو ما لم يكن متبعا في محمد محمود، حيث تبدأ من التحذير قبل بدء إطلاق النار، ويجب أن يُضرب بزاوية 45 درجة لأسفل، وفي القدم فقط.
"من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص؟"، سؤال يطرحه عدلي، ويؤكد في إجابته أن قيادة عليا لابد أن تكون أصدرت الأوامر. لا تخرج تلك القيادات عن مدير مصلحة الأمن العام، أو مدير أمن القاهرة، أو مدير قطاع الأمن المركزي، أو وزير الداخلية، حيث تنص قوانين الشرطة في الباب الخاص بواجبات الشرطة، البند 3 مادة 41، على أنه "على الضابط أن ينفذ الأوامر بدقة وأمانة، وذلك في حدود القانون واللوائح، ويتحمل الرئيس مسؤولية أوامره ويُعاقب عليها".
واختتم عدلي حديثه مؤكدا أن أحدا من هذه القيادات الأربعة لابد أن يتم تقديمه للمحاكمة بتهمة ارتكاب كافة الجرائم السابقة، باعتباره المسؤول عن إصدار الأوامر خلال أحداث محمد محمود.